بسم الله الرحمن الرحيم

(الديموقراطية) الخادعة و (الحرية) الضائعة و مصيرهما المحتوم!!

تتميز سياسة الولايات المتحدة الامريكية خاصة في السنوات الاخيرة بقيادة المحافظين الجدد في الحزب الجمهوري الحاكم (وشعاره الفيل) ، بالتناقضات المكشوفة بين ماترفعه وتدعو اليه من شعارات كالديموقراطية والحرية وحقوق  الانسان وغيرها ، وبين ماتمارسه واقعيا سواءً في بلادها او في بلدان العالم ، خاصة في الشرق الاوسط (قلب العالم العربي والاسلامي) ، حيث البطش والتنكيل ومصادرة  الحريات وانتهاك حقوق الانسان واشاعة الفساد وسرقة اموال الامة الخاصة والعامة وماحدث ويحدث في افغانستان والعراق بعد احتلالهما من قبل الولايات المتحدة الامريكية والدول المتحالفة معها خير دليل على مانقول .

هذه الشعارات البراقة والزائفة التي من آخرها(الاصلاح) وبالطبع على الطريقة الامريكية ايضا! هي نفسها ما ادعت به الدول الاشتراكية  بزعامة الاتحاد السوفياتي السابق ، وما قبل ذلك المانيا النازية ، حيث انهم جميعا  يرفعون هذه الشعارات ويخفون من ورائها مخططاتهم الجهنمية واطماعهم التوسعية . ولازلنا نذكر( وقد عايشنا عقدي الخمسينات والستينات من القرن المنصرم ) كيف كان يدعي الشيوعيون في بلادنا وبتوجيه مركزي من الدولة الام (روسيا) في جميع انحاء المعمورة انهم دعاة الديموقراطية والاشتراكية الاممية والسلام العالمي ،! وغيرها من الشعارات البراقة والخادعة ولكنهم اثبتوا من خلال ممارساتهم في بلادهم وغيرها من البلدان التي سيطرت عليها الاحزاب الشيوعية ، ظهور اعمالهم الاجرامية ومجازرهم الجماعية –مثال ذلك مجازر الموصل وكركوك عامي 1959-1960 وغيرها من مدن وضواحي العراق ايام تسلطهم  فيه – ماينقض تماما ماكانوا يدعونه في ادبياتهم وشعاراتهم الزائفة في انهم سينقلون المجتمعات الى السعادة والرخاء والعدالة والحريات ....الخ !!.

وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي تفردت امريكا برفع شعارات الديموقراطية والحرية وحقوق الانسان والاصلاح ، فضلا عن مكافحة الارهاب . وبدا التاريخ يعيد نفسه ويتكرر المشهد (السيناريو) بوجه امريكي ظاهراً وصهيوني باطناً وموجهاً ، والذي كان نفسه يوجه المعسكر الشرقي الشيوعي سابقا ، والذي من اهم اهدافهما محاربة الاسلام كعقيدة ومنهاج حياه والقضاء على كل من ينادي به بتهمة الاصولية والارهاب ولتحقيق الامن والسيطرة الكاملة للكيان الصهيوني وكذلك الهيمنة على الموارد المادية      والمائية والمواقع الاستراتيجية في الوطن العربي والاسلامي .

فتصدرت الولايات المتحدة الامريكية بزعامة بوش الابن لهذه المهمة ومن تحالف معها من حكومات بعض الدول الاوروبية وحلف شمال الاطلسي ، في حملة صليبية جديدة على العالم الاسلامي وبوجه جديد وصفحة جديدة للاستعمار القديم الذي اجتاح هذه المنطقة من العالم في بدايات القرن التاسع عشر ، والتي انتهت موخرا باحتلال افغانستان ثم العراق وانكشف القناع عن مخططاتهم و التي عقدوا لها مئات المؤتمرات ، واعدوا لها عشرات السيناريوهات ، واغدقوا عليها  مئات وربما الاف المليارات من الدولارات! وظهر(ولله الحمد) زيف وكذب اقوالهم وشعاراتهم وتبين ان افعالهم وممارساتهم مخالفة تماما لها ، وينطبق عليهم وعلى رئيسهم مصطلح (المسيح الدجال) الذي حذر منه رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في كثير من احاديثه الشريفة وكيف انه يخدع العالم بالشعارات الجوفاء والاعمال الخارقة ، بينما يمارس في الواقع الظلم والطغيان والكفر وانتهاك المقدسات والحرمات تماما كما تمارسه وتريد ان تفعله امريكا في مشروعها (الشرق الاوسط الكبير) و(الاصلاح) على الطريقة الامريكية والمراد بهما القضاء على الاسلام وطمس الهوية العربية والاسلامية لبلدان العالم الاسلامي ، وامركة المناهج الدراسية واساليب العيش في مختلف مناحي الحياة –الفكرية والتربوية  والاقتصادية والسياسية – فضلا عن السيطرة العسكرية بالاحتلال المباشر ، واقامة القواعد العسكرية  في بعض البلدان التي نصبت فيها حكومات عميلة لها ، وكذلك جعل العرب والمسلمي)  يدورون في فلكها وفلك مخططاتها (مخططات البيت الابيض الامريكي) بدلا من ان يدوروا في فلك تعاليم الاسلام وعقيدة (البيت الحرام)السمحاء .

ان الامريكان والصهاينة يسعون لتغيير الثوابت الاسلامية وبعض الايات القرآنية التي لاتروق لهم بل وتؤكد خبثهم ومعاداتهم للاسلام والمسلمين حتى  ان الادارة الامريكية ومراكزابحاثها قد نشرت كتابا جديدا اسمته -الفرقان الحق- ليحل محل القرآن الكريم !! ولإبطال عقيدة الجهاد ومقاومة المحتل في الاسلام ، ولهدم المعاني الايمانية والمبادئ الاخلاقية في قلوب المسلمين والتي تتجلى في توحيد كلمتهم بالاتجاه نحو مكة المكرمة والطواف حول كعبتها المشرفة في اشارة الى تمسك الامة الاسلامية باتجاها الصحيح وبعقيدتها الربانية التي تقوم على اساس الايمان بالله وحده لاشريك له وببقية اركان الاسلام والايمان الاخرى ، ومن اهمها تطبيق الشريعة الاسلامية كنظام ومنهاج حياة . انهم يخططون لهدم وازالة هذه المعاني في نفوس المسلمين خاصة الشباب منهم وباساليب مختلفة وصولا لاسامح الله الى التحول الكامل عن شريعة الله شريعة (البيت الحرام) الى شريعة (البيت الابيض) ،  مثلما اراد ان يفعل ابرهه الحبشي عندما  اقدم على هدم الكعبة المشرفة بعد ان فشل في تحويل قبلة وطواف العرب (الذين كانوا على بقية من دين سيدنا ابراهيم عليه السلام في تعظيمها) ، الى (القليس) في صنعاء اليمن بدل مكة المكرمة ، فكان من اصحاب الفيل حيث قصته المشهورة والمنصوص عليها في القرآن الكريم في سورة (الفيل) ، كناية عن الفيل الذي كان في مقدمة ذلك الجيش  وشعاراً له . وكانت نتيجة حملته العدوانية معروفة في القضاء عليه وعلى جيشه الجرار وفشل مخططاته .

ونحن بالقياس على هذه الواقعة التاريخية الفاصلة (والتاريخ كما قلنا يعيد نفسه) فان الحزب الجمهوري الامريكي الحاكم الذي شعاره (الفيل)  ايضا كما ذكرنا! وبزعامة (جورج بوش) ، الذي يمثل (ابرهة الحبشي) في تصرفاته الاجرامية وافكاره الصليبية ، سيكون مصيره بعون الله تعالى مع مخططاته في العراق وغيره نفس مصير(اصحاب الفيل) وكذلك مصير من عاونه او يعاونه من الخونة من امثال (ابو رغال) اللعين .قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ ، كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) [ المجادلة 20-21]

وقد نشرت جريدة (البصائر) الغراء في عددها المرقم (100) بتاريخ 20 تموز 2005 خبرا مفاده ان السيناتور الامريكي (توم تانكريدو) نائب كولورادو عن الحزب الجمهوري الحاكم في الولايات المتحدة الامريكية وعضو الكونغرس فيها قد دعا الى ضرب مكة  المكرمة بالقنبلة النووية في حالة تعرض أي مدينة امريكية لعمل ارهابي على حد زعمه!

وهذا التصريح يدل على الحقد الدفين الذي يحمله بوش الابن وجماعته ضد الاسلام  والمسلمين  ومقدساتهم ومحاولتهم لضرب هذه المقدسات الاسلامية فكريا وماديا كلما سنحت لهم الفرصة بذلك قال تعالى: ( ويمكرون ويمكر الله  والله خير الماكرين) .

وسيكون العراق وما يظهره  شعبه الصامد الصابر من مقاومة وبطولة وجهاد متواصل للاحتلال (بكافة اشكاله ووسائله) هو المنتصر بعون الله تعالى حيث انه الشعب الذي تعود على المحن والحروب وبالرغم مما اصابه من ويلاتها وما تبع ذلك من حصارغاشم طويل ، فاكسبته الشجاعة والاقدام والاقتدار والصبر على المكاره، مما جعله يمارس كافة صنوف المواجهة مع الاعداء بقلب لايهاب الموت وروح ايمانية تتطلع الى الشهادة او النصر ، كل ذلك وغيرها من المعاني الطبية – ستجعل من بلاد الرافدين باذن الله تعالى ، مقبرة للغزاة واندحاراً لمشاريعهم التوسعية وستنهار امريكا بعون الله بعد فشلها في العراق كما انهار الاتحاد السوفياتي بعد فشله واندحاره في افغانستان . حيث ان مصداقية الولايات المتحدة الامريكية في نشر (الديموقراطية) الخادعة ، و(الحرية )الضائعة ،  (والحقوق) المزيفة ، و(الاصلاحات الكاذبة ، اصبحت دون درجة الصفر! ، واقوالها ووعودها تحولت سرابا وكذبا! وباتت تحكم وتسيطر بالحديد والنار والظلم والاحتلال الذي هو بداية وعلامة للانهيار والفشل الذريعين ، حيث ان لجوءها الى هذه الاساليب القمعية مؤشر على ذلك .

واصبحت امريكا نفسها تمارس الارهاب وقمع الحريات وتساند الدكتاتوريات والحكومات والانظمة الفاسدة التي اقامتها في العالم ، والتي جعلتها تدور في فلكها وتخضع لها ، وتغض الطرف عن ممارساتها الغاشمة تجاه شعوبها المظلومة . فباتت هي نفسها بحاجة الى الاصلاح ! لانها فاقدة لكل المعاني الانسانية والصلاح! وكما يقول المثل العربي (فاقد الشيء لايعطيه)!! .

 وهذا مؤشر آخر على فشلها وبداية النهاية لها ولنظامها ولكل من يدور في فلكها  ، لان (حبل الكذب قصير) ، والظلم والطغيان لايدومان وعاقبتهما وخيمة . قال تعالى:

(وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)(الشعراء: من الآية227) .

و قد يتبادر إلى الذهن السؤال عن دور المسلمين وماذا يفعلون أمام هذه التحديات والمؤامرات في هذا الزمن العصيب ؛ والجواب على هذا يتكون من شقين  :

 الشق الأول يتمثل في الآتي :

1- العمل على زيادة معرفتنا بديننا.

2- التمسك والاعتزاز به.

3- جعل العمل من أجله هو العمل الأول المقدم على ما سواه ، قال تعالى: (وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) التوبة/105 .

4- فتح صدورنا لاستيعاب كل من يؤمن بهذا الدين ويعتز به بغض النظر عن مقدار التزامه وتمسكه، لأن الأمر في تقديرنا أصبح اليوم أمر إيمان ولا إيمان ، إذ ترى أعداء الإسلام وقفوا وجها لوجه ضده وانحاز إليهم المنافقون وممن لا علاقة  لهم بالإيمان والمحسوبون من هذه الأمة ، فأصبح الأمر إيمان ولا إيمان! .

الشق الثاني يتمثل في الآتي :

1- إن ما حصل في هذه الأيام وما قد يتلوه في الأيام القادمة ما هو إلا جولة من جولات إنتفاش الظلم وانتصاره المزعوم المؤقت ولا يعني أن الأمة قد خسرت المواجهة النهائية مع أعدائها ولنا في التأريخ شواهد وأمثلة كثيرة خسرت فيها الأمة جولات وانتصرت في النهاية وما هجمات التتار والصليبين عنا ببعيدة .

2- ينبغي أن نكون متفائلين بل متأكدين من نصر هذه الأمة لأنها هي الأمة العاقبة ولان ديننا بشرنا بالعودة له في النهاية في نصوص كثيرة منها ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه   قال : ( بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء ) ([1]) .

وهذا لا يعني أن هذه العودة ستكون قريبة ولكنها حتمية وأكيدة لأن ديننا هو الدين الخاتم للاديان، وهـو الذي سيعود ويسود لقول الله تعالى مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ )الأنبياء/107 وهذا يشير إلى أن رسولنا رحمة ولا يكون كذلك إلا إذا ساد الإسلام في نهاية الأمر ودخل فيه الناس جميعا أو أكثرهم على الأقل ومن المعلوم أن الناس لم يدخلوا الإسلام إلى الآن كلهم أو جلهم ، فإذن لابد أن يدخلوه في قادم الأيام .

3- ينبغي أن لا نتبادل اللوم والاتهام فيما بيننا بالتقصير أو بعدمه وبالخطأ  أو الصواب في الاجتهادات التي قد تفرض نفسها على بعضنا لأن مثل هذا التبادل سيبقي التفرق والتنازع والاختلاف فيما بيننا . هذا الاختلاف الذي قد استغله أعداؤنا في إضعافنا وتفريقنا وهذا ما رأيناه في المشهدين الأفغاني والعراقي الذي عبثت فيه الأهواء وفرقته الاجتهادات والمصالح الشخصية فسهًـل لأمريكا عدوانها واحتلالها لهما ، الذي حسبته وحسبه معها المنافـقـون انتصارا لها . قال تعالى :

    (وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) الأنفال/46.

4- الأخذ بزمام العلوم والمعرفة في تخصصاتها كافة والتشجيع عليها لأن الإسلام دين العلم والقرآن الكريم والمصطفى الأمين شجعا عليه وأمرا به في آيات كريمات وأحاديث نبوية كثيرة  خاصة إن هذا العصر هو عـصر التقدم العلمي الذي استغله أعداء الإسلام للظلم والطغيان بدلا من أن يكون للخير وصالح البشرية وسعادة الإنسان فأصبح من الواجب الشرعي والعقـلي الحصول على (التقدم العلمي ) وصولا إلى (القوة) التي أمرنا الله بها في قـوله (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) الأنفال/60([2])

 إننا وبعون الله سبحانه وتعالى إذا أخذنا بهذه الأسباب المذكورة وبقـدر استطاعتنا فإن الله عز وجل لا يتخلى عـنا وينصرنا ويدافع عـنا ويجعل كيد المتجبرين والظالمين وأعـداء الإسلام في نحورهم قال تعالى :

 

 (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) آل عمران/120 صدق الله العظيم .

والله يقول الحق وهو يهدي السبيل إنه نعم المولى ونعم النصير .

 

 والحمد لله رب العالمين   

 

     25/7/2005

د.محمد جميل الحبال


 

([1])  رواه الامام مسلم في صحيحه رقم الحديث (328) ، والامام احمد في مسنده رقم الحديث (16372) .

([2]) لزيادة الاطلاع عن موقف الاسلام من العلم يرجى مراجعة كتاب  

(موقف القرآن من العلم ) للدكتور عماد الدين خليل