بسم الله الرحمن الرحيم

العراق المظلوم

في شهر تموز 1995 حضرت مؤتمراً طبيا في العاصمة الماليزية

( كوالالامبور ) بدعوة من الجمعية الطبية الإسلامية في أمريكا الشمالية والجمعية الطبية الإسلامية في ماليزيا حيث قدمت فيه بحثين نالا الاستحسان والتقييم العلمي الكبيرين ونشرا لاحقا في المجلة الطبية الامريكية للجمعية  المذكورة.

 وقد كنت الطبيب العراقي الوحيد في ذلك المؤتمر العالمي الرصين وكان عراقنا الجريح يئن من محنة الحصار الذي بلغت ذروته في تلك الفترة ، كما يئن حاليا من ظلم الاحتلال الامريكي الغاشم .

 وقد انتهز بعض الاطباء المتعاطفين مع العراق فرصة وجودي في المؤتمر لإرسال كمية من الأدوية للشعب العراقي كمساعدة إنسانية أخوية  ،  قمت بتسليمها للجهات الخيرية والصحية بعد عودتي .

وبعد انتهاء أعمال المؤتمر دعيت مع بعض الأعضاء المشاركين لزيارة ولاية (كلنتان) والتي تقع في شمال أرخبيل الملايو والمحاذية الى  تايلاند ،  والمتميزة بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية نظرا لان الحزب الإسلامي هناك فاز في الانتخابات وقام بتشكيل الحكومة المحلية . وفعلا وجدنا بعض المؤشرات التي تميزها عن بقية الولايات ،  من بعضها  إن معظم أبناءها يجيدون اللغة العربية ويتحدثون بها فضلا عن لغتهم المحلية ويفتخرون بذلك لكونها لغة القرآن الكريم ولغة أهل الجنة كما جاء في الحديث الشريف . وقد وجدنا إن معظم اللافتات والإعلانات الموضوعة على واجهات المحلات مكتوبة باللغة العربية ،  وان كثيرا من الناس يضعون الطاقية البيضاء على رؤوسهم والتي تدل أن هذا الشخص قد أدى فريضة الحج ! لذلك يتعامل معه الناس باحترام وتقدير . وإضافة إلى تلك المظاهر فقد وجدنا الأخلاق الطيبة والمعاملة الحسنة عندهم والمحبة والتواضع بصورة عامة  و للغريب كذلك خاصة إذا كان من البلاد العربية !

 وكان من برنامج الزيارة مقابلة  رئيس الوزراء في تلك الولاية وكان في ذلك الوقت هو الشيخ   ( نك عبد العزيز ) الذي كان ترحيبه بنا كبيرا وكان مظهره يدل على الصلاح والرجولة والذكاء . وعندما عرفته بنفسي وإنني من العراق قال لي (العراق المظلوم )!!؟ قلت:(نعم)! ولم يزد على ذلك شيئا غير الدعاء برفع الحصار       و الظلم عن بلدنا وعن كافة بلاد المسلمين .

 وقد بقيت هذه العبارة (العراق المظلوم ) تتردد في ذهني وجعلتني أتذكر المآسي والظلم الذي وقع على بلدنا ليس فقط من الدول المتجبرة والطامعة وإنما من الدول المجاورة (الشقيقة!) التي كانت ولازالت جسرا ومنطلقا في احتلاله وإيقاع الظلم عليه وكذلك ظلم حكامه والمتسلطين عليه الذين أذاقوه الويلات عبر عشرات السنين . وكذلك ظلم بعض الأقرباء والأبناء والذي هو اشد أنواع الظلم لقول الشاعر :

        وظلم أهل القربى اشد مرارة

                       على المرء من وقع السيف المهند!

وكنت في كل يوم اكتشف جانبا من هذه المظالم التي تقع على (العراق المظلوم) والتي لو حدثت على أي بلد آخر لأزالته من الوجود! ولكن لطف الله بالبلاد والعباد حال دون ذلك وهو القائل    ( ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ).... صدق الله العظيم.

 تذكرت كل هذه الأمور وأنا اقرأ مقالا في جريدة (دار السلام) الغراء بعددها (52) الصادرة بتاريخ 9/6/2004 م في زاوية            (آه... يا وطن) وبعنوان (مظلومية العراق) والذي جاء مطابقا للمقولة السابقة (العراق المظلوم) ولما كان يجول في خاطري!  ولأهمية الموضوع اقتبس بعضا مما جاء فيه :

((لا نكون مبالغين عندما نؤكد حقيقة انه ما من بلد تعرض للظلم في العقود الأخيرة كما تعرض العراق ...البلد...والدولة...والمجتمع ، ربما يكون الاستثناء الوحيد على هذا الاستنتاج هو ما تعرض له إخواننا الفلسطينيون الذي سلبت أرضهم وانتزعوا من ديارهم .. وما عدا هذا المثال فنحن الأمة المظلومة رقم واحد.. منذ عقود والظلم يقع على العراق وأهله...تنتزع حقوقهم ...تنهب ثرواتهم...يعتدي على أرضهم وكيانهم ومياههم والظالمون متنوعون...الحاكم الظالم . والدول الكبرى ظالمة.. والجيران والأقارب ظالمون...حتى اهل البلد ظالمون لأنفسهم ولوطنهم . البعض يقول إن كل المظالم التي حاقت بالعراق جاءت من الحاكم وطيشه وسوء تصرفه فهو الذي استفز الآخرين واعتدى عليهم وسبب المآسي لبلده وهذا القول يمثل شطرا كبيرا من الحقيقة ولكن ليس كل الحقيقة...فالآخرون أيضا لهم نصيبهم الكبير وسلوكهم يدل على ايغال في الظلم وليس مجرد رغبة في رد العدوان . يؤسفنا أن نقول..لم يرحمنا احد...وهذا ليس تعبيرا عن (عقدة الاضطهاد) التي يعانيها المرضى النفسيون ولكنها الحقيقة بعينها ما تؤكدها أحداث التاريخ القريب. الحاكم الظالم لم يرحمنا واراد ان يبني مجده على شقائنا وعذاباتنا ، والكبار (استهدفوا) وطننا بشكل غير اعتيادي..الجيران طمعوا فينا ولم يراعو حق الجيرة... اما الاهل وذوي القربى فظلمهم اشد غضاضة كما يقول الشاعر العربي ظلم الغريب يهون كما نردد في امثالنا... ولكن ماذا عن ظلم العراقي لوطنه...هذا اعلى انواع الظلم واشده ايذاء...بعض العراقيين يظلم وطنه ويفرط فيه عندما يرنو ببصره خارج حدوده...وبعضهم  يظلمه عندما يساوم على وحدته وتماسك كيانه . وابشع صور ظلم العراقي  لوطنه يقع عندما يبيعه للغريب ويقبل بولايته عليه . لو جئنا نستعرض التاريخ القريب ووقائعه...انظروا كم اريقت من دماء...وكم اهدرت من ثروات...وكم انتهكت من حقوق...انظروا وتاملوا..السنا الامة المظلومة الاولى في العالم..؟! )) .

اللهم احفظ عراقنا ومجتمعنا وامتنا من ظلم المتجبرين والمحتلين الطامعين ومن مخططاتهم الجهنمية واجعل كيدهم في نحرهم . واهدي جيراننا واشقائنا وابناء وطننا لما فيه خيرنا ونجاحنا جميعا  في دنيانا وآخرتنا . اللهم آمين .

والله يقول الحق وهو يهدي السبيل .

د. محمد جميل الحبال

E-mail:alhabbal45@yahoo.com             17/6/2004