بسم الله الرحمن الرحيم

العيادات الطبية الخيرية في محافظة نينوى – الموصل

المقدمة :

اثناء العدوان الامريكي على العراق في عام 1991 م والذي استمر نحو 42 يوما، تعطلت خلاله الكثير من مفردات الحياه اليومية واحتياجات الناس الضرورية ، نظرا لاستمرار القصف الجوي على معظم مدن ومناطق العراق ، فتعطلت من جراء ذلك المواصلات والاتصالات ولزم معظم الناس منازلهم وتوقفت اعمالهم .

ومن اهم المرافق التي تأثرت بذلك هو القطاع الصحي كالمستشفيات والمراكز الصحية وحتى العيادات الخاصة للاطباء . فالمستشفيات مثلا بالرغم من صعوبة الوصول اليها لانعدام الوقود لوسائط النقل، فقد كانت تستقبل حالات الاصابات الناتجة عن القصف الجوي فقط . ونتيجة لذلك ظهرت الحاجة الماسة الى انشاء العيادات الطبية الخيرية في الاحياء السكنية خاصة الشعبية منها ، كذلك ظهرت الحاجة الى استمرار هذه العيادات في عملها وخدمتها للمواطنين خاصة من ذوي الدخل المحدود حتى بعد توقف العدوان ، حيث فرض الحصار الغاشم ومنه الغذائي والدوائي على العراق والذي استمر اكثر من 13 عاما . وقد اثبتت هذه العيادات الطبية الخيرية والتي زاد عددها عن سبع عيادات في اماكن متفرقة في مدينة الموصل واخرى في تلعفر ، اثبتت جدارتها وفائدتها للمواطنين خاصة من ذوي الدخل المحدود ، وأظهرت روح التعاون والتكاتف بين ابناء المدينة التي تنم عن اصالة هذا الشعب وتكاتفه في المحن وفي الايام الصعبة ، انطلاقا من قوله تعالى : ( وتعاونوا على البر والتقوى ولاتعاونوا على الاثم والعدوان  ) .  وقوله صلى الله عليه وسلم:  ( والله في عون العبد ماكان العبد في عون أخيه) ، حيث كانت هذه الاقوال الكريمة شعارات هذه العيادات الطبية الخيرية التي انطلق معظمها من المساجد .

 

كيفية ظهور الفكرة :

وللحقيقة وللتاريخ ولتوثيق هذه التجربة الفريدة التي انبثقت من مدينة الموصل حيث نشأت بصورة عفوية وباقتراح من المرحوم المهندس محمد كمال توفيق (ابو محمود) الذي كان في مكتبه المجاور لجامع ذي النورين في حي النور في الموصل ، عندما طلب من الدكتور محمد جميل الحبال والمرحوم الدكتور أديب الجلبي  وهما خارجين من صلاة العصر في الايام الاولى للحرب المذكورة ، طلب منهما اسعاف طفل كانت امه تحمله على قارعة الطريق وهو مريض ويبكي متألما في انتظار سيارة تكسي لتحمله الى المستشفى للعلاج ، ولكن لاتوجد سيارات ولاوسائط نقل اخرى لان القصف الجوي كان مستمرا واصوات الانفجارات تسمع من كل مكان وصفارات الانذار تدوي ، فقاما بفحصه في مكتبه ، وجلبا له دواء من دارهما القريب . وفي هذه المناسبة قال لهما المرحوم ابو محمود (انني اقترح عليكم ان تجعلا من مكتبي مكانا لعيادة خيرية لمساعدة المرضى والحالات الطارئة وانتم حاليا ليس عندكم دوام في المستشفى ولا في عياداتكم الخاصة) . فقالا  له انهما على استعداد لذلك ، ولكن من الافضل ان تكون هذه العيادة في المسجد بدلا من المكتب حيث ذلك يكون انسب وأفضل ، وتوجد غرفة للامام في المسجد تصلح لذلك بشرط موافقة واقف المسجد الحاج عثمان بوزيني (ابو لقمان) وامام المسجد في ذلك الوقت الشيخ خالد ، فقال لهما المرحوم ابو محمود : انا اضمن لكم ذلك .  وكان حاضرا معهم الاخ الحاج محمد يونس سليمان (ابو ثائر) الذي ابدى استعداده للتعاون معهم ويكون سكرتيرا للعيادة ولتنظيم اعمالها ، وبالفعل تمت الموافقة من واقف المسجد وامامه الذي ذكر ذلك في خطبة الجمعة وطلب من المصلين التبرع للعيادة الخيرية لاكمال متطلباتها ، واعلن البدء في اعمالها وان الدوام فيها يكون بين صلاتي العصر والمغرب يوميا.

والذي نذكره للحقيقة وللتاريخ ايضا ، فقد انهالت التبرعات بشكل لم يكن متوقعا ! بحيث استطعنا بواسطتها تجهيز العيادة من مستلزمات وادوية . وتشكلت لجنة من المسجد للاشراف وضبط الحسابات برئاسة الاخ المرحوم ابو محمود ، حيث قامت هذه اللجنة بتوزيع التبرعات الفائضة عن حاجة العيادة الى المواطنين من ذوي الدخل المحدود في الحي ، وبذلك نشأت اول لجنة خيرية تعاونية للتواصل والتعاون بين المواطنين في الحي الواحد ، فضلا عن انشاء اول عيادة طبية خيرية ، ليس على مستوى مدينة الموصل فحسب وانما على مستوى العراق ايضا!. حيث استمر كثير من المواطنين بالتبرع لهما وبصورة دورية بالاموال والمواد العينية .وقامت هذه اللجنة بجرد المحتاجين في المنطقة وايصال رواتب شهرية لهم مع مواد تموينية حسب توفرها ، وللتاريخ نذكر ايضا أن المرحوم ابو محمود كان يحتفظ بسجلات خاصة بذالك ويوثق كل شيء بموجوب وصولات موقعة وبشكل دقيق . ونظرا لنجاح هذه الفكرة فقد تم تعميمها على كافة احياء المدينة ، وتشكلت في كل منطقة او حي في الموصل لجان خيرية انبثقت من المساجد لتقديم هذه المساعدات الى مستحقيها من العوائل المتعففة .

وبخصوص العيادة الطبية الخيرية في جامع ذي النورين والتي حملت اسم (عيادة ذي النورين الطبية الخيرية) بعد ذلك ، فقد تطوع للدوام فيها كل من الاطباء والطبيبات التالية اسمائهم في فترة العدوان وهم :

  1.   د .محمد جميل الحبال ، اختصاصي باطنية .

  2.    د.أديب الجلبي ، اختصاص انف وحنجرة .

  3.   د.محمود عبد الهادي ، اختصاصي جراحة .

  4. د.تحسين الحاج علي ، اختصاصي جراحة .

  5. احمد جياد، اختصاصي اطفال .

  6. د. ليلى المصري  واختها د.معزز المصري ، اختصاص نسائية وولادة (بالتناوب) .

 

وكان الاخ محمد يونس سليمان (ابو ثائر) ينظم العمل في العيادة  بصفته سكرتيرا ومديرا اداريا لها.

وبعد انتهاء الاعمال العسكرية للعدوان وفرض الحصار الغاشم على العراق ، ونظرا لنجاح الفكرة بصورتها البدائية ، رأينا الاستمرار فيها وتطويرها وأخذ الموافقات الرسمية في استمرار عملها (حيث كان عملها اثناء العدوان والهجوم العسكري بصورة ذاتية ، ولم تكن هناك دوائر رسمية حكومية لأخذ موافقتها) . فقدم الدكتور محمد جميل الحبال طلبا الى نقابة الاطباء في محافظة نينوى للموافقة على فتحها رسميا والاستمرار العمل فيها . وكان الاخ الدكتور محمد فوزي العجيلي (ابو فهد) نقيبا للاطباء في حينه ، حيث وافق على هذا الطلب ومشجعا على استمرارها وكذلك متطوعا ان يكون احد الاطباء الذين يداومون فيها بصورة منتظمة حيث كان يداوم فيها يوما في الاسبوع . وللتأريخ والحقيقة نذكر أيضا  انه لولا موافقة الدكتور محمد فوزي العجيلي ودعمه الكامل لهذا المشروع لما استمر هذا الخير ، ليس هذا فحسب ، وانما كان يشجع ويساند على فتح عيادات خيرية اخرى ، وقام بتشكيل لجنة داخل النقابة للاشراف على هذا العمل الخيري ،  وقد تطلب ذلك جهودا مضنية لاقناع المسؤولين على مستوى المحافظة الذين رحب قسم كبير منهم بانشائها وكان قد تم اخذ دعم وتشجيع المرحوم د راجي التكريتي الذي كان نقيبا لأطباء العراق آنذاك الذي قدم دعمه المعنوي للبدء بالمشروع ، لذلك فقد تم  افتتاح العيادات الخيرية الاتية وحسب ترتيبها الزمني واسبقيتها :

  1. عيادة ذي النورين الطبية الخيرية في جامع ذي النورين (حي النور) .

  2. عيادة الزهراء الطبية الخيرية في جامع الزهراء الكبير (حي صدام) .

  3. عيادة ابو بكر الصديق الخيرية في شارع بغداد (موصل الجديدة) قام بإنشائها المحسن الحاج "موفق قندله" .

  4. عيادة الامين الخيرية في جامع الامين في (حي الخضراء) للمحسن الحاج محمد زهير عبد الله (ابو مصطفى) .

  5. مجمع الحاج عبد القادر السيد محمود الطبي الخيري في شارع نينوى ، خزرج ، للمحسن الحاج نزار عبد القادر سيد محمود واخوانه .

  6. العيادة الطبية الخيرية في الجامع الكبير في تلعفر .

  7.  العيادة الخيرية في كنيسة ام المعونة في حي الدواسة في الموصل ، باشراف الدكتور بهاء شكوري .

 

أهم الإنجازات :

1- 1-    نظام الاحالة

عند مفاتحة الزملاء الاطباء والطبيبات للمشاركة في العيادات الطبية الخيرية ، فقد تطوع قسما منهم بالدوام فيها والقسم الآخر تطوع بمعالجة المرضى المحالين اليهم في عياداتهم الخاصة مجانا ، وكذلك قسم من اطباء المختبر والاشعة ، حيث تطوعوا بإجراء الفحوصات المختبرية والشعاعية للمرضى المحالين اليهم اما مجانا او بأسعار رمزية . وقد شكل هذا النظام شبكة متعاونة وفعالة مع اعمال العيادات الخيرية . وجائت بنتائج ايجابية كثيرة والحمد لله .

 

 

2- 2-    العمليات الجراحية

في حالة احتياج المرضى المراجعين للعيادات الخيرية الى اجراء عمليات جراحية ، فان الطبيب الجراح الذي يداوم متطوعا فيها يقوم بادخاله الى المستشفيات الحكومية التي يداوم فيها ويقوم كذلك بتسهيل اجرائها وتقديم موعدها وبالمجان, وكان يتم التنسيق مع بعض الجراحين وذوي الاختصاصات المختلفة من خلال التنسيق معهم مباشرة من قبل المشرفين على العيادات . أما اذا كانت الاحالة الى المستشفيات الاهلية فإنها تقوم بإجراء تخفيضات مناسبة بأسعار العمليات وملحقاتها . كذلك فقد تطوع الاخ الحاج احمد عبد القادر السيد محمود (ابو عمر) مدير مجمع المرحوم السيد عبد القادر سيد محمود الطبي الخيري في خزرج بدفع أجور هذه العمليات كاملة في كثير من الاحيان . ونحن نشهد لهم بهذا العطاء المتميز وهذه الروح الخيرية الفائقة ، حيث لم يرفضوا لنا طلبا في هذا الامر ، بالرغم من ان مجمعهم الطبي المتعدد الاختصاصات(Poly Clinic) والذي يداوم فيه عدة اطباء في وقت واحد من العصر الى المغرب ، يقوم بمعالجة عشرات المرضى يوميا وتغطية معظم الاختصاصات الطبية ، فضلا عن اجراء الفحوصات الطبية وتوفير الدواء بالمجان ، وفقهم الله وكتب ذلك في ميزان حسناتهم .

3- 3-    عمليات الختان

وهي من الفعاليات المتميزة التي قامت بها العيادات الطبية الخيرية وبصورة مستمرة ومجانية مع تقديم الهدايا للاطفال المختونين ، وذلك في المناسبات الوطنية والدينية خاصة عيد المولد النبوي الشريف ، حيث كان يتولى ذلك في عيادتنا في جامع ذي النورين السيد صلاح ابن السيد مجيد (ابو جمال) وأولاده ، حيث اجروا مئات عمليات الختان وعلى مدى سني الحصار ، وكذلك فريق من اطباء الجراحة والمجاري البولية في بقية العيادات ، وخاصة في مجمع المرحوم عبد القادر سيد محمود الطبي الخيري ، حيث كان يتولى ذلك الدكتور همام شريف الخفاف (استشاري جراحة الاطفال)  ومساعديه ، وفقهم الله جميعا . وكذلك مجموعة طيبة من الاطباء والمضمدين لا أتذكر أسمائهم في العيادات الأخرى ، حتى اصبحت هذه السنة الطيبة (الختان المجاني) معروفة لابناء مدينة الموصل كافة ويترقبونها . كما كان يزود الاطفال المختونين بشهادات مطبوعة بالعملية فضلا عن الهدايا المقدمة لهم التي كانت تدخل السرور في نفوسهم ونفوس ذويهم .

4- 4-    مشروع الدواء

لقد كان الدواء يصرف مجانا للمرضى المراجعين في حالة توفره ، وكانت معظم العيادات فيها معاون صيدلي يقوم بضبط صرف الادوية ومنهم الاخ المعاون الصيدلي زهير مجيد (ابو احمد) في عيادتنا في جامع ذي النورين ، حيث قام بهذه المهمة على احسن وجه ، وكذلك الاخ محمد يونس سليمان (ابو ثائر) الذي كان يقوم بواجبات سكرتارية العيادة وتنظيم مواعيد المراجعين ، وما يتعلق انسيابية العمل فيها ، حيث نشهد له بقيامه بهذه الاعمال الادارية على احسن وجه  فضلا عن روحه المرحة التي كانت تدخل السرور على الجميع . ومن الجدير بالذكر ان بعض الاخوة الصيادلة كانوا يرسلون لنا ادوية كثيرة ومتعددة الاصناف مجانا من تبرعاتهم لنقوم بتوزيعها على صيدليات العيادات الخيرية ، فضلا ان قسما منهم كان يصرف وصفات العيادات الخيرية مجانا او بسعر الكلفة عند ورودها الى صيدلياتهم  وتم ايضا اقناع مذخر الادوية الرئيسي في المحافظة لاعطائنا حصة من الادوية التي كانت تجهز بها الصيدليات الخاصة ، واستلمنا عدة وجبات من ادوية التبرع التي جائتنا من خارج القطر واتخذنا عيادتنا كمركزلتوزيع للادوية النادرة وقد استفاد منها مرضى كثيرون,  وقد شكل هذا المشروع شبكة تضامنية اخرى اسهمت في هذا المشروع الخيري ،  حيث ان توفير الدواء لايقل اهمية عن الفحص الطبي وتشخيص الحالة ، حيث بدونه لاتتم العملية العلاجية للمريض .

5- 5-    المساعدات الخارجية

وكذلك نشهد للحقيقة و للتأريخ ان مجهودات ومصروفات العيادات الطبية الخيرية في الموصل كانت تتم بجهود ذاتية ومن قبل اهل البلد المحسنين ولم نستلم مساعدات خارجية ماعدا الحالات التالية :

أ‌-       أ- في شهر تموز من عام 1995م اشترك الدكتور محمد جميل الحبال في المؤتمر الطبي لاتحاد الجمعيات الطبية الاسلامية في ماليزيا (كوالالامبور) ، وعندما علم المشاركون في المؤتمر القادمين من بلدان مختلفة وجوده فيه ، جلبوا معهم كميات كبيرة من الادوية ، وقسم منها من الادوية الحديثة والغالية وغير المتوفرة عندنا ، وقام بجلبها جميعا الى الموصل عن طريق مطار عمان في صناديق كبيرة وبالطائرة ، ومن توفيق الباري عز وجل له في تسهيل شحنها ان الجمعية الطبية الاسلامية في ماليزيا زودته بكتاب رسمي ان هذه الادوية هدية الى شعب العراق المحاصر ، حيث استطاع بذلك شحنها مجانا وادخالها بصورة قانونية ، وتم توزيعها الى العيادات الخيرية والمؤسسات الصحية الحكومية .

ب- ب‌-  في أواخر عام 1997م اشترك  الدكتور محمد جميل الحبال كذلك في المؤتمرالعربي لامراض وزرع الكلية في بيروت وصادف وجوده هناك ان ظهر في وسائل الاعلام تشييع جنازة 50 طفل في شارع الرشيد في بغداد قضوا نتيجة عدم توفر الدواء لمعالجتهم وانقاذهم بسبب الحصار الظالم ، وقد كان الطبيب الوحيد من العراق في المؤتمر وطلب من شركات الادوية المشاركة في المؤتمر والجمعيات الطبية  في لبنان بجمع الادوية والمستلزمات الطبية ، فكانت الاستجابة رائعة ، حيث استطاع جمع كمية كبيرة منها تم شحنها في حافلة كبيرة (منشأة) عن طريق سوريا ، وبهذه المناسبة فقد اتصل بالاخ الدكتور محمد فوزي العجيلي لتسهيل دخوله الذي قام بالاتصال بالسيد المحافظ مشيرا علينا بالدخول عن طريق مدخل ربيعة في محافظة نينوى وليس عن طريق مدخل الوليد في محافظة الانبار لان المدخل الاول تحت صلاحيته ، وبالفعل فقد كانت الاوامر قد صدرت الى المسؤولين في ربيعة لتسهيل اجراءات الدخول ومرافقته الى الموصل ، حيث تم ذلك بسهولة وكان في استقباله مجموعة من العاملين في ذلك المركز الحدودي ، حيث شكل دخوله اول خرق للحصار الغذائي والدوائي عن طريق مدخل ربيعة عن طريق سوريا، وقد سلمت هذه الادوية والمستلزمات الى دائرة صحة نينوى ، حيث شكلت لجنة برئاسة مدير العام لدائرة صحة نينوى الدكتور نزار محمد شريف  في ذلك الوقت وعضوية الدكتور محمد جميل مع الدكتور محمد فوزي ، حيث تم توزيعها على المستشفيات الحكومية وصيدليات العيادات الخيرية وعلى شكل وجبات ، وبهذه المناسبة فقد وجه السيد المحافظ كتاب شكر وتقدير لنا ولازلنا نحتفظ ونعتز به لحد الان ، لان هذا الحدث اعتبره الدكتور محمد جميل مفصليا في تاريخ حياته وتوثيقا لهذا العمل الخيري الذي يعتبر اول كسر للحصار الغاشم لم تتناوله وسائل الاعلام في حينه . ولازلنا نذكر الجهود المضنية والارهاق الذي انتاب الدكتور محمد جميل طيلة الرحلة خاصة لاقناع السلطات السورية في ادخال الحافلة من لبنان الى سوريا ، فقاموا بحجز المواد عندهم الى ان حصل على الموافقات من السلطات السورية لشحنها الى اليعربية على الحدود العراقية برفقة نائب ضابط سوري وكفالة نقدية لضمان عدم تسريبها في الاراضي السورية ، وقد استغرقت هذه المعاملة عدة ايام ، قام بمساعدتنا فيها احد التجار السوريين المحسنين وهو صاحب مصنع لتصنيع البسكويت الذي تحمل دفع الكفالة ، واتحفنا بالتبرع بكميات كبيرة من البسكويت أيضا!! الذي تم توزيعه كذلك.

ج- ج‌-    جميعة الهلال الاحمر العراقية

حيث كانت متعاونة وتزودنا احيانا بالمساعدات الدوائية والغذائية وحسب توفرها عندهم ، حيث كانت (العيادة الطبية الخيرية في جامع ذي النورين) هي المركز وام العيادات واكبرها واقدمها ولتوفر مخزن مناسب في المسجد كان يوفر لنا مستودعا لاستلام وتوزيع مايصلنا من مساعدات دوائية وغذائية .

الخلاصة :

لقد شكلت منظومة العيادات الطبية الخيرية في الموصل مشروعا انسانيا متميزا اثناء العدوان الامريكي الغاشم على العراق عام 1991م وكذلك في سنوات الحصار التي  تلت العدوان ، حيث كان لهذه التجربة اطيب الاثر والفائدة لتقديم الخدمات الطبية للمرضى المحتاجين وعلى احسن وجه ، وتعتبر صفحة بيضاء في جبين اهالي الموصل النجباء ووسام رفيع للعاملين والمشاركين في هذا المجال ممن ذكرنا اسمائهم او ممن لم نذكرهم نسيانا (ونرجو المعذرة منهم) ، ولكن الله عزوجل لاينساهم ويثيبهم بأحسن ماكانوا يعملون ، كذلك فهي تجربة رائدة وناجحة وموفقة سجلها التاريخ الموصلي في فترة عصيبة من احداث العراق ، وان دل ذلك علي شيء فانما يدل على اصالة هذا الشعب وتلاحمه وتعاونه عند الملمات ، لذلك فقد اخطأت امريكا وحلفائها باحتلال هذا البلد العريق لانهم سيفشلون وينهزمون ، قال تعالى  :  (فأما الزبد فيذهب جفاء واما ماينفع الناس فيمكث في الارض )  صدق الله العظيم

والحمد لله رب العالمين

 

الدكتور محمد جميل الحبال

الدمام

يوم الجمعة 29-10-2010 م

الموافق 21- ذو القعدة – 1431 هـ