بسم الله الرحمن الرحيم
فأعينوني بقوة !
(ردم الهوة
العلمية للنهوض بالأمة)
الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله
وعلى آله وصحبه ومن والاه...وبعد:
قال تعالى
: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ
حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ
كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) يوسف: 111
فالباري عز
وجل عندما يسرد لنا قصص القرآن فهي عبرة وهداية وتوجيه وارشاد ( هدى
ورحمة
لقوم
يؤمنون) للإتعاظ والاتباع لان الصراع بين الحق و الباطل والايمان والكفر قائم
الى يوم القيامة وان اختلف الزمان والمكان والاشخاص .
وقصة ذو
القرنين التي ذكرها الله في سورة الكهف فيها من الفوائد والعبر والعظات الشيئ
الكثير والذي يهمنا في هذا المقام الاحداث التي ذكرها القرآن الكريم بخصوص
القوم الذين وجدهم في منطقة بين السدين في قوله تعالى (حَتَّى إِذَا بَلَغَ
بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ
يَفْقَهُونَ قَوْلًا) الكهف:93
(وذلك
لعجمة السنتهم واستعجام اذهانهم وقلوبهم )كما جاء في تفسير (
تيسيرالكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ) لعبد الرحمن السعدي.
ص
560
إذ
أعطى الله ذا القرنين من الاسباب العلمية والفكرية والمواهب المعرفية والتقنيات
المتطورة ما فقه به ألسنة
القوم وفهمهم وما يريدون حيث قال الله عز وجل على لسانهم : (قَالُوا يَا
ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ
مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ
بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا ) الكهف :94
وكانوا يتعرضون لغزو هؤلاء المعتدين بالقتل واخذ الاموال وغير ذلك من
الاعتداءات والانتهاكات فطلبوا منه عملية انقاذية لبناء السد الذي يمنع عنهم
المعتدين ويقيهم من هجماتهم وذلك لما رأوا فيه من الامكانيات والمواهب والصلاح
ما يؤهله للقيام بهذا العمل لقاء اعطائه مبلغا من المال (فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ
خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا ) الكهف:94 وهذا
يدل أنه كانت عندهم الامكانية المادية والاموال ولكنهم كانوا يفتقرون الى
الامكانات العلمية الفكرية وروح
الابتكار والمبادرة والعمل الجماعي !
وكلمة ( خرجا ) تعني : جعلاً ومكافأت والتي رفضها ذو القرنين حيث لم يكن ذا
طمع ورغبة في الدنيا بل قصده الاصلاح والدفاع عن المظلومين والمستضعفين
وهدايتهم الى الدين الحق . لذلك فقد وجدوا في هذا الرجل المؤمن ضالتهم ومبتغاهم
, لذلك: (قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ
أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا ) الكهف :95 أي
أنه رفض أخذ الاموال وطلب المعونة من الله عز وجل والتمكين له بتنفيذ
مطلبهم وبالشكل الافضل والاقوى وذلك ببناء الردم بدل السد الذي طلبوه ! حيث ان
الردم أحصن وأقوى من السد للدفاع والحماية ! ولكن بشرط واضح وصريح بقوله:
(فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ ) أي
أن يدخلهم ويطلب مشاركتهم في هذه العملية الدفاعية الانقاذية لتخليصهم من
العدوان المستمر ولم يقل لهم اذهبوا الى المعابد وادعوا ربكم ليخلصكم وينقذكم
رغم ما نعرفه عن أهمية الدعاء ولكنه في هذا الموقف والظرف وجههم الى العمل
الجماعي المتواصل حسب الخطة العملية التكنولوجية التي وضعها لهم لإقامة
هذا الردم على الأسس العلمية والمعرفية الدقيقة التي وهبه الله اياها
بقوله عز وجل : (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ
شَيْءٍ سَبَبًا ) الكهف : 84 نقول
أنه دمجهم واشركهم وجعلهم يعملون كفريق واحد في تنفيذ هذا المشروع الدفاعي
الانقاذي وعلى أسس علمية غاية في الدقة والتقدم التقني بقوله عز وجل : (آتُونِي
زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا
حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا ) الكهف
:96 ففي
هذه الآية الواحدةأعلاه ثلاثه أوامر بينت بإيجاز بليغ التقنية العالية التي
طبقها ذو القرنين في اقامة هذا الردم (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ) و (قَالَ
انفُخُوا ) و (آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا)
إذ أن الخطط القويمة اذا لم تنفذ او تطبق واقعيا بوساطة الايدي العاملة
المتعاونة فسوف لن يتحقق لها النجاح فالعبرة بالتنفيذ والتطبيق وليس بالكلام او
الكتابة النظرية وكما نقول ( حبرا على ورق !) .فتوافر العقل المفكر والخطة
المحكمة والمال والمواد الاولية والايدي العاملة المتعاونة كلها هذه حلقات
توصل الى نجاح المشروع ( أي مشروع كان) خاصة القياده الحكيمه والايدي العاملة
النى كانت معطلة ومشلولة فعندما أجتمعت وتوجهت الى الاتجاه الصحيح ودخلت
في تنفيذ عملية مشروع الانقاذ لأقامة الخط الدفاعي الذي تم بنجاح حبث لم يستطع
المعتدون ( يأجوج ومأجوج) من عبوره أو أختراقه قال تعالى : (فَمَا اسْطَاعُوا
أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا ) الكهف :97 أقول
وبالله التوفيق بعد الاستعراض السريع والمختصر لهذه القصة القرآنية: أن
الامة الاسلامية اليوم تتعرض لهذه الهجمات والاعتداءات والاحتلالات من قبل
أعدائها المعادين لعقيدتها و الطامعين بخيراتها من الصهاينة المحتلين
والصليبيين الحاقدين المستعمرين . رغم ما لدى هذه الامة من الامكانات المادية
والثروات الطبيعية والبشرية فضلا عن موقعها الجغرافي المتميز في هذا العالم ! ان
فكرة المنشآت الدفاعية ضرورية لكل الشعوب وبخاصة المستهدفة كأمتنا
، واذا لم تتوفر الامكانات العلمية التخصصية في الأمة وهذا
تقصير فيجب الاستفادة من خبرات الآخرين عند الحاجة
كما فعل القوم . ان
هذا الرجل الصالح (ذو القرنين) كان من أهل الاختصاص المهني العالي فعنده
الفكرة المطورة وهي الردم بدل السد وعنده المهارة الهنسية في التنفيذ ،
وهذا مايجب توافره في الأمة العابدة لله ، الجامعة بين قيم الايمان
والمهارات العلمية في كل التخصصات ، حيث لاتعارض في ديننا بين العلم والايمان .
ذو
القرنين كان رجلا صالحا نصر الضعفاء وتعاون معهم على
رد اعتداء ( المفسدين في الأرض ) مما يوحي بوجوب قيام حلف بين المستضعفين
مؤمنين وغير مؤمنين لرد عدوان المفسدين في الأرض الذين لاتخلو الأرض منهم
في كل زمان .
كذلك هنا تظهر العلاقة بين
النهضة والحكم الصالح القائم على العدل ، وذو القرنين كان كذلك فهو حاكم
عادل ومن أهل الاختصاص العلمي المتقدم . فقد آتاه الله من كل شيء سببا . ومع
ماتمتع به ذو القرنين من القوة السياسية والعلمية وهذا الانجاز
الضخم في بناء الردم الاأن هذه القوة لم تطغه ولم تجعله
يتكبر في الأرض كعادة الأقوياء الجبارين المفسدين (
يأجوج ومأجوج ) في القديم والحديث ، وانما أحال كل ملكاته وعلمه وقوته
الى واهبها مولاه سبحانه وتعالى فبقي في دائرة العبودية لربه سبحانه
وتعالى :
(قال هذا رحمة من ربي ) الكهف :98
فأمتنا اليوم هي في أمس الحاجة الى اقامة مثل هذا ( الردم ) الدفاعي لصد هذا
العدوان المتواصل وانقاذ ما يمكن انقاذه من امثال هؤلاء ( يأجوج ومأجوج
العصر الحديث )! وهذا
من الممكن تحقيقه عن طريق التعاون بين المخلصين وعلى كافة المستويات الحكومية
والشعبية والاخذ بوسائل العلم والتكنولوجيا وتنشئة الجيل على الايمان
والاخلاق.وهذا ما نقصده بالردم اذ نقوم مجتمعين ومتعاونين بردم هذا الفراغ
العلمي والمعرفي الذي بوساطته تنهض الشعوب
وتتقدم الامم
وتدافع عن نفسها وتحمي ابناءها وعرضها وارضها.
وفيما يلي بعض التفصيل لمفهوم (الردم) وهو ماسنطلق عليه مصطلح (الأمن) بأنواعه
المختلفة وكما يأتي:
1.
الأمن الغذائي.
2.
الأمن العسكري و الصناعي.
3.
الأمن العلمي والطبي.
4.
الأمن المائي والطاقي.
5.
الامن المالي والاقتصادي.
وكل ما ذكر أعلاه من أمور تتعلق بسيادة وإستقلال الدول والشعوب على أرضها وفي
سمائها ومائها. وهي أمور مرتبطة ببعضها البعض ومتداخلة في كثير من الأحيان. وقد
يتعذر على الدول الصغيرة القيام ببعض الامور بشكل كامل مما يتطلب من هذه الدول
القيام بتحالفات والدخول في اتفاقيات مع غيرها من دول الجوار أو الدول الصديقة
للتعاون مع بعضها لانشاء نظام تكامل فيما بينها. فقد يكون لدى بلد عربي أو مسلم
فائض زراعي ومائي ونقص في الطاقة. وقد يكون لبلد ما جيش قوي ونقص في المحاصيل
الزراعية، فيتوجب على البلدان الاسلامية العمل بجد واجتهاد واخلاص نية لتكمل
بعضها البعض ولتنشيء نظاماً اقليمياًُ يضمن لها الامن والاستقلال عن الاجنبي في
شتى المجالات. والحقيقة ان بعض البلدان العربية الاسلامية مرت في العقود
الماضية بتجارب باء معظمها بالفشل لاقامة الوحدة فيما بينها. ولكن الفشل لا
يعني التخلي عن الفكرة من اساسها ابداً، فالضرورة لا تزال قائمة والواجب الشرعي
يحتم على الشعوب والعلماء حث القادة السياسيين على اعادة المحاولة ودراسة اسباب
الفشل الى حين الوصول الى التكامل والإستقلال الحقيقي
وسنذكر أدناه بعض الامور المتعلقة بكل
بند من بنود الأمن المذكورة أعلاه :
1.
الامن الغذائي:
"ويل لأمة تأكل مما لا تزرع وتلبس مما لا تنسج
". والواقع ان معظم دولنا الاسلامية تستورد الجزء الأكبر من غذائها
وملبسها بالرغم من الثروات العظيمة من اراض زراعية ومياه وقدرات صناعية وعلمية
متوفرة لديها. وقد يلعب العنصر المادي دوراً في تقاعس بعض المسلمين عن القيام
بدورهم للوصول الى الامن الغذائي. فقد تضغط بعض المؤسسات المالية العالمية على
دول معينة حتى لا تزرع القمح مثلاً – مع ان القمح هو الغذاء الرئيسي لشعبها –
بحجة ان القمح المستورد من أوروبا ارخص سعراً ومتوفر في السوق العالمية. وهذا
منافٍ لمبدأ الامن الغذائي تماماً. فقد يحصل ان ازمة سياسية ما تطرأ ويمتنع
البائع عن تصدير القمح بهدف الضغط السياسي مثلاً على الدولة المستوردة. وقد
يكون من المتعذر على كل دولة على حدة ان تزرع ما يلزمها – فيحتم عليها ان تدخل
في حلف معين مع دولة اسلامية أخرى لتغطي هذا العجز بشكل أمن ومستقر وبعيد عن
الضغوط حتى يتأتى الوصول الى الأمن الغذائي. وفي العادة تكون الاحلاف
والاتفاقيات قائمة على مبدأ المنافع المتبادلة – فمثلاً تقوم دولة بتصدير القمح
مقابل ان تستورد مادة تلزمها من الدول الأخرى كالماء أو البترول وهكذا.
2.
الأمن العسكري والصناعي
:
الحقيقة المرة ان أكثر الدول
الاسلامية تستورد السلاح من أعدائها!!. وهذه مصيبة مضحكة مبكية والمثال الصارخ
على ذلك هو موقف الدول الغربية من توازن التسليح بين العرب و(اسرائيل).
والمراقب لموقف الدول الغربية في العصور الماضية يدرك بسهولة الموقف المنافق
للغرب حيال تسليح العرب ضد اسرائيل فلا يزودوا العرب بأي أسلحة تهدد اسرائيل
ابداً بل ويشترط عليهم الشروط المغلظة بهدف تحديد استعمال الاسلحة الموردة بما
يناسب سياسة الدول الموردة. ولو رجعنا الى ايام الناصر صلاح الدين لوجدنا انه
ايقن بسرعة ضرورة تقوية الصناعة الحربية في مصر كشرط مسبق للدخول في حرب تحرير
فلسطين وطرد الصليبيين.ولو انه كان يستورد السلاح والذخيرة من فرنسا – مثلاُ –
لكنا في بلاد الشام نتكلم الفرنسية الى يومنا هذا. وعندما اضطر العرب للاعتماد
على الاتحاد السوفيتي وجدنا الاحزاب الشيوعية والانقلابات العسكرية المدعومة من
السوفييت تنتشر في عالمنا العربي مما أدى بالأمة الى مصائب جمة دفعنا ثمنها
سنين طويلة.
وعودة الى المبدأ العام المذكور في النقطة الاولى فلا بد للدول من اقامة تعاون
واحلاف عسكرية متكاملة وصولا لاستقلال المسلمين عن أعدائهم بأكبر قدر مستطاع.
3.
الأمن العلمي والطبي
:
وهذا الموضوع شائك وواضح وخطير جداً. فالمعروف ان شباب المسلمين اللامعين
يذهبون الى الغرب للحصول على العلم والشهادات. ومعروف أيضاً ان دول الغرب
تستقطب المميزين منهم وتثبتهم في جامعاتها ومؤسساتها بعد التخرج لتكتمل الدائرة
الخاسرة للمسلمين بفقدان خيرة شبابهم وعلمائهم (هجرة العقول). وفشل الهدف
الاساسي الذي من أجله سافر هؤلاء الشباب – الا وهو العودة الى بلدانهم
ومساعدتها بردم الهوة والفجوة العلمية بيننا وبين الغرب. واذا بقينا في
حالة تخلف علمي وتكنولوجي عن أعدائنا، فلن يكون لدينا القدرة على اللحاق بهم في
شتى الميادين الاقتصادية والعسكرية والطبية وحتى الغذائية. فالعلم الحديث هو
مفتاح التقدم الاقتصادي والثقافي والعسكري وغيره. وقد آلمنا كثيراً ان نطلع على
لائحة أهم جامعات العالم الخمسمئة ولا بالكاد نجد فيها جامعات عربية واسلامية
ابداً مع ان كيان العدو الصهيوني الصغير يمتلك جامعتان او اكثر على مستوى عالمي
من التقدم ومراكز النشر و الابحاث فأين العرب والمسلمون؟ واين الثروات الهائلة
التي يمتلكونها؟ وكيف يقدر اليابانيين والكوريون على النهوض بشعوبهم علمياً
وصناعياً خلال فترة وجيزة من الزمن ولا يقدر بلد عربي ومسلم واحد على فعل ذلك؟
اما الطب والدواء – فحدث ولا حرج , حالتنا اليوم يرثى لها من الاعتماد الكلي
على ما يأتينا من الغرب من دواء و مستلزمات طبية نحن قادرون على توفيرها ان
وجدت الارادة والهمة العالية بعون الله تعالى. ويكفينا حصار غزة المسكينة لنعرف
ان الغرب يتحكم بدوائنا وغذائنا الى درجة مخيفة تستحق دق كل نواقيس الخطر. وما
الحصار الذي حدث للعراق عنا ببعيد. والذي تسبب بموت أكثر من نصف مليون طفل بسبب
هذا النقص
4.
الامن المائي والطاقي:
وهذا الموضوع هو من أهم المواضيع التي
ازدادت اهميتها في العقود الماضية وقد تردد في كثير من وسائل الاعلام ان الحروب
القادمة هي حروب مياه. فازدياد السكان والتلوث وشح الموارد المائية في كثير من
البلدان ستضغط عليها لايجاد حلول سريعة لمشاكل المياه. ومن المعلوم ان الكيان
الصهيوني يعاني من ازمة مياه ويتمسك بأراض من جنوب لبنان (سفوح جبل الشيخ
وشبعا) لغناها بالموارد المائية. وسوريا وتركيا و العراق تشترك بأنهار اساسية
هامة ومصيرية للزراعة في تلك البلدان. وقد شهدنا فترات من التشنج السياسي
والعسكري بين تركيا وجيرانها منذ بعض الوقت الى ان قيض الله للاتراك زعماء
يدركون اهمية الجوار والتقارب مع اخوانهم العرب والمسلمين.
اما الطاقة؛ فهذا موضوع يطول شرحه ولعل أهم الاسباب
الكامنة وراء الهجمة الاستعمارية على بلادنا الاسلامية والعربية هي في حقيقتها
خطط معادية تهدف الى وضع اليد على الطاقة ومصادرها ولن أغوص في هذا البحث
المختصر بمواضيع الطاقة فذلك يحتاج الى كتب ومجلدات. ولكن ما يفيدنا في هذه
الحالة هو توضيح فكرة الامن المائي والطاقي. فلا بد للعرب والمسلمين من انشاء
هيئات وتحالفات تضمن لنا الاستعمال الامثل لمياهنا وتضمن لنا خطط مدروسة
للاستفادة من الطاقة المتوفرة لدينا وحمايتها من الاستعمار والاطماع المعادية.
وقد لا نبالغ في القول ان المشروع الغربي والصهيوني قبل كل شيء يهدف الى
تقسيمنا والى السيطرة على مصادر الطاقة التي انعم الله بها على العرب
والمسلمين. وفي هذا سبب كاف للتنبه الى اهمية الامن والسيادة على طاقتنا
ومياهنا وايجاد السبل الكفيلة للتعاون فيما بيننا لحماية حقوقنا وحقوق ابنائنا.
5.
الامن المالي والاقتصادي:
ان النظام المصرفي العالمي يقع تحت السيطرة المباشرة للغرب. فلو نظرنا الى
التحويلات المالية العالمية (أغلبها بالدولار واليورو) نجد انها تحت سيطرة
امريكا واوروبا مباشرة. واذا اردنا ان نخرج من هذه السيطرة نجد انفسنا مضطرين
الى تحويل الاموال عبر حقائب السفر المحمولة يدوياً دون اي مبالغة. وما يجري في
غزة المحاصرة خير دليل على ذلك. فكيف للعرب والمسلمين ان يخرجوا من هذه
المعضلة؟ سؤال كبير ويحتاج الى جهد الخبراء وصدق الحكومات والنية الحاسمة لفعل
ذلك. وقد حكى لي صديق عن قصة خروج الكويت من الاعتماد على النظام المالي
والعملة البريطانية في الستينات وكيف ان العملية كانت تشبه حرب الاستقلال. وانا
مقتنع تماما ان الاستقلال الحقيقي لدولنا لا يتم الا بالخروج من النظام المالي
العالمي الذي يقع تحت سيطرة امريكا مباشرة.
والمراقب للدولار وازمة الاقتصاد الامريكي يدرك خطورة الموضوع فلو انهار
الدولار تنهار معه اقتصاديات دول كثيرة مرتبطة به وهذا احتمال وارد جداً. فنحن
نشجع الدول العربية الاسلامية للمضي قدماً في خططها لتخفيف الاعتماد على
الدولار وايجاد الخطط البديلة حتى لا نقع في ازمات كبرى لا تحمد عقباها.
اما الاقتصاد والتصنيع فنحن نميل الى ان العرب والمسلمين مسؤولون امام ربهم عن
تقصيرهم في تصنيع مواد وسلع كثيرة اساسية يتم الاعتماد على اعداء الامة لبيعها
لنا. فلو اننا تصورنا ان الغرب قام بمحاصرتنا اقتصاديا لفترة من الزمن على
خلفية صراعنا مع اسرائيل، على سبيل المثال، فكم من الوقت نصمد؟ وهذا السؤال
يفتح علينا آفاقاً مخيفة من الاحتمالات ومن ضرورة ايجاد البدائل. فلا اتصور ان
المسلمين المتواجدين في اكثر من دولة عاجزون عن تصنيع اية سلعة اذا عقدوا العزم
وتعاونوا عليها. وقد انعم الله علينا بالموارد الوفيرة والعقول الذكية اكثر من
غيرنا من الدول. والمثال الياباني والالماني والكوري، حتى البرازيلي والهندي
والتركي ماثل اماما اعيننا.
خاتمة:
إن من الطبيعي ان تكون المواضيع المذكورة مرتبطة بعضها ببعض والفكرة المشتركة
هي بسيطة وواضحة:
اذا اردنا النهوض بالامة فلا بد من الاعتماد على النفس ورسم الخطط للاستفادة من
الموارد المتوفرة والعمل الجماعي بروح الفريق لتحقيق الأهداف. وأن فكرة الامن
القومي تعني الاستقلال والسيادة والحرية. وهذه المبادىء تحتم علينا التعاون
فيما بيننا بصدق واخلاص وحسن نية، ولكن ايضا بقوة وحزم كما قال تعالى:
(فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ ).
وإن من المؤسف ان كثيراً من حكوماتنا تحسن الظن بالغرب وتثق به وتعتمد عليه. مع
ان التاريخ القديم والحديث يخبرنا وينصحنا الا نثق به. ونختم
مقالنا هذا بقوله تعالى : (وقل إعملوا
فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) التوبة: 105 والله يقول الحق
وهو يهدي السبيل.
الدكتور محمد جميل حبّال
alhabbal45@yahoo.com
Email:
محمدخيرحبّال
mkhabbal@yahoo.com
Email:
الدمام /4 ذو الحجة الحرام 1431هـ الموافق 10/11/2010.
|