بسم الله الرحمن الرحيم

( يأجوج ومأجوج ) وإحتلال العراق !

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:

يقول الله عز وجل في محكم كتابه : (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ  ) فاطر : 43

بمناسبة مرور تسع سنوات على الإحتلال الأمريكي للعراق في عام 2003 فإننا نورد الحقائق التالية :

فقد جاء في كتاب ( لو كررت ذلك على مسامعي فلن أصدقه ) تأليف الكاتب والصحفي الفرنسي ( جون كلود موريس) الذي كان يعمل مراسلا حربيا لصحيفة ( لوجورنال دويماش) من عام 1999 الى 2003 أن الرئيس الامريكي( جورج بوش) كان يتحدث هاتفيا مع الرئيس الفرنسي السابق (جاك شيراك) لإقناعه بالمشاركة بالحرب التي شنها على العراق عام 2003 بذريعة القضاء على ( يأجوج ومأجوج) اللذين ظهرا في منطقة الشرق الاوسط وتحقيقا لنبوءة وردت في كتبهم المقدسة !!

فيقول المؤلف في مستهل كتابه الذي يسلط في الضوء على أسرار الغزو الامريكي للعراق في حديث مسجل له مع الرئيس الفرنسي ( جاك شيراك) ,أن الاخير قال له : ( تلقيت من الرئيس بوش مكالمة هاتفية في مطلع 2003 فوجئت فيها انه يطلب مني الموافقة على ضم الجيش الفرنسي للقوات المتحالفة ضد العراق مبررا ذلك بتدمير آخر أوكار يأجوج ومأجوج مدعيا أنهما مختبأن الان في الشرق الاوسط قرب مدينة بابل القديمة . وأصر عليه الاشتراك معه في العمليات الحربية التي وصفها بالحملة الايمانية المباركة ومؤازرته في تنفيذ هذا الواجب الإلهي المقدس التي اكدت عليه النبؤات التوراة والانجيل ) .

ويقول شيراك : ( هذه ليست مزحة فقد كنت متحيرا جدا بعد ان صعقتني هذه الخزعبلات والخرافات السخيفة التي يؤمن بها رئيس  أعظم دولة في العالم ولم أصدق في حينها أن هذا الرجل بهذا المستوى من السطحية والتفاهة ويحمل هذه العقلية المتخلفة ويؤمن بهذه الافكار الكهنوتية المتعصبة ! التي سيحرق بها الشرق الاوسط ويدمر مهد الحضارات الانسانية .  ويجري هذا كله في الوقت الذي صارت فيه العقلانية سيدة المواقف السياسية ...الخ) .

ولقد وصفت صحف فرنسية كثيرة هذا الكتاب "بالصادم" وذهبت صحيفة "لوجورنال دوديمانش" إلى القول إنه كتاب "مثير للذهول"، ربما لأن "جون كلود موريس" قال في مقدمته :إنه لن يحاول تبرير أي شيء، بل يسعى إلى تقديم الحقائق العارية من الزيف، والقول للعالم الغربي المتحضر: إن احتلال العراق أكبر فضيحة اشترك فيها الجميع تحت مطية "الدفاع عن الديمقراطية" وتحت مطية "البحث عن أسلحة الدمار الشامل" بينما الحقيقة الصادمة هي أنها حرب تحمل الصبغة الدينية المسيحية الصهيونية الأكثر عنفا وتطرفا لا أكثر ولا أقل"! ([1])

ويأجوج ومأجوج هم بالمفهوم الغربي فردين من زعماء الكفر يظهران آخر الزمان ويقاتلان شعب الله المختار (اليهود ) حسب زعمهم !؟ وهم بمفهومنا أقوام متوحشون ومفسدون في الارض جاء ذكرهم  في القرآن الكريم في قصة ذي القرنين عندما طلب منه القوم المستضعفون اقامة سد لصد هجماتهم لمنعهم من الاعتداء عليهم في قوله تعالى :

(إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا) الكهف : 94

والذي يهمنا في هذا الصدد ان الرئيس الامريكي السابق ( جورج بوش) ورئيس الوزراء البريطاني ( توني بلير ) ومن ورائهما الصهيونية العالمية قد خططوا مسبقا لإحتلال العراق للسيطرة على ثرواته وخيراته خاصة النفط الذي يشكل العراق أعلى خزين استراتيجي له في العالم. وكذلك لتأمين الحماية والأمن لعميلتهم وصنيعتهم ( إسرائيل) التي غرسوها في قلب العالم العربي  وعلى بقعه مقدسة ومباركة فيه ,  وذلك بحجج واهية منها أن العراق يمتلك اسلحة الدمار الشامل ويتعاون مع الارهاب وتنظيم القاعدة وله صلة باحداث 11 سبتمبر/ آيلول 2001 في امريكا , والتي اثبتت الوقائع كذب هذه الادعاءات جميعا جملة وتفصيلا وحتى على لسان كبار مسؤوليهم ومنها تصريح وزير الدفاع الاسبق ( كولن باول) وإعتذاره عن هذه الاكاذيب التي ارتكبها في 5/2/2003 في مجلس الأمن عندما قدم عرضا استمر نحو سبعين دقيقة ما ادعاه زورا وبهتانا عن وجود (حقائق دامغة وأدلة لاتقبل الشك!) لامتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل وتعاونه مع القاعدة !  وذلك في محاولة لإقناع المجتمع الدولي والرأي العام الأمريكي لتبرير شن الحرب على العراق، والتي أثبتت الأحداث بعد احتلاله في 9/4/2003 كذبها وعدم مصداقيتها جملة وتفصيلا. مما جعل كولن باول يعتذر عن ذلك لاحقا مبررا ذلك بالتقارير الكاذبة التي رفعتها له وكالة الاستخبارات المركزية! (CIA) ([2])

وحتى (جورج بوش) نفسه أقر وبتلعثم شديد خلو العراق من اسلحة الدمار الشامل وذلك في 16/10/ 2004 بعد صدور تقرير فريق التفتيش الامريكي الذي يضم 1200 خبيراً ومفتشاً تابعين لوكالة  المخابرات المركزية الامريكية  (CIA) والذي اسماه ( Iraqi survey group ) فتشوا العراق شبرا شبرا و على مدى 18 شهر بعد احتلاله لم يعثروا على ما ادعوه ! ([3])

علما ان تقارير مفتشي الامم المتحدة اثناء فترة حصار العراق وقبل غزوه منها التقرير المفتش الأممي  محمد (البرادعي ) وآخرها تقرير الفريق برئاسة ( هانز بليكس) التي اجمعت على خلو العراق من هذه الاسلحة. ([4]) ولكن (جورج بوش) لم يكترث بتقاريرهم بالرغم من وجود عناصر موالية لامريكا في هذه الفرق وأصر على إحتلال العراق بهذا الزعم الباطل الذي اثبت فريقه الخاص ببطلانه وأوقعه في حرج شديد لأن مصداقيته اصبحت مفقودة .

وقد ادعى كذلك جورج بوش و زمرته من المحافظين الجدد في الحزب الجمهوري انهم جاؤا لانقاذ الشعب العراقي من الدكتاتورية ولحماية حقوق الانسان ونشر الحرية والديمقراطية وغير ذلك من الشعارات والادعاءات الكاذبة والتي لم يتحقق منها أي شيئ بعد مرور اكثر من تسع سنوات على هذا الغزو البربري والاحتلال الغاشم لهذا البلد العريق و حتى بعد انسحابه ظاهريا في نهاية العام المنصرم !. بل العكس من ذلك فقد حل الخراب والدمار جميع مرافق الحياة في هذا البلد المظلوم وقتل اكثر من مليون شخص وتشرد أكثر من 5 ملايين مواطن كمهاجرين داخل وخارج العراق فضلا عن الملايين من اليتامى والارامل والمعوقين وتدمير البنى الفوقية والتحتية وفقدان الامن والاستقرار في جميع انحاء هذا البلد المنكوب وإستشراء الفساد الاداري والمالي فيه على ايادي الحكومات المتعاقبة التي جاء بها المحتل والمتعاونين معه حتى اصبح العراق بفضل الامريكان واعوانهم يتصدر قائمة الدول في معيارية هذا الفساد بكل اشكاله، وهذا إضافة الى مصيبة العراق في فقدان رجاله واستمرار اغتيال العلماء والاطباء ورجال الفكر ورؤساء العشائر واعمدة المجتمع خاصة علماء الشريعة وأئمة المساجد ودعاة الإسلام المخلصين. وقد استهدف الموساد و وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وفرق الموت التي ارسلتها كثيرا من العلماء العراقيين خاصة من العاملين في المجال النووي والهندسة  والانتاج الحربي كما جاء في تقرير نشرته مجلة (بروسبكت) الامريكية  حيث بلغ عدد الذين تم تصفيتهم وفق هذه الخطة أكثر من 250 عالما . أما مجلة (نيوزويك) فقد اشارت الى استهداف الاطباء والاغتيالات والترويع لهم فقد قتل في عام 2005 أكثر من 70 طبيبا . وقد جاء في التقارير المنشورة أن قوات كوماندوز إسرائيلية تضم أكثر من 150 عنصرا دخلت العراق بعد الاحتلال بهدف تصفية واغتيال  الكفاءات المتميزة هناك حيث تعتبر هذه الدوائر الاستعمارية أن هذه التصفيات هي الصفحة التالية من احتلال العراق للقضاء على الكفاءات العلمية فيه ، حتى لا يعود هذا البلد الى سابق عهده ويستعيد دوره الحضاري  ومن اهم هذه التقارير وأخطرها التقرير الذي أصدرته محكمة بروكسل     (المكوّنة من مجموعة من الشخصيات العلمية والأكاديمية والأدبية ذات منزلة عالمية معروفة ومرموقة) عن سلوكية

الاحتلال الاميركي في العراق تحت عنوان ( تفكيك وتدمبر  الدولة العراقية)  ([5]) .

 وقد أظهرت إحدى وثائق موقع ويكليكس مؤخرا قيام منظمة إيرانية بإغتيال 182 طيارا ممن شاركوا في الحرب العراقية الإيرانية ثأرا وانتقاما ولم تحرك سلطة الإحتلال الامريكي ساكنا بالرغم من معرفتها بمجريات هذه الأحداث الخطيرة وهي كسلطة احتلال مطلوب منها المحافظة على الارواح فتكون بذلك مشاركة بهذا العمل الإجرامي وغيره من الكثير فكأنه يجري بموافقتها وتشجيعها ! ([6]).

وكذلك شجعت امريكا على انتشار العصابات والمافيات من كافة الاتجاهات ومنها تنظيمات القاعدة (ومايسمى بدولة العراق الإسلامية) والتي كان العراق خاليا منها قبل الاحتلال وقد دخلت اليه بعد الإحتلال بفضل ومساعدة امريكا وتشجيعها لهذا النوع من الاعمال لتشويه الاسلام ودعاته المخلصين والمقاومة الوطنية واتخاذها كحجة وشماعة للقيام باعمالها الوحشية بحجة القضاء على الارهاب ! حتى أن هذه التنظيمات استهدفت رموز المقاومة الوطنية والأئمة الأعلام من الشيوخ والدعاة المخلصين للإسلام من أهل السنة والجماعة وكأن التاريخ يعيد نفسه بالنسبة للخوارج الذين خرجوا عن الخليفة الراشدي الإمام علي بن أبي طالب (رضي الله عنه وكرم الله وجهه) فأصبحوا على شاكلتهم ولاحول ولاقوة الا بالله العلي العظيم  وكذلك المليشيات المسلحة التي دخلت او تم دعمها من ايران . والتي قامت ولا تزال بالاعمال الانتقامية والتخريبية المعروفة.

 كذلك قامت امريكا بزرع الفتن واثارة النعرات الطائفية والعرقية بحيث اصبح العراق مهددا بالتقسيم على أساسها بعد ما كان مضرب الامثال في تجانسه ووحدة ابناءه وامتلاكه لناصية العلوم والمعارف وكان على وشك الدخول في مصافي الدول المتقدمة والخروج من حضيرة الدول النامية لامتلاكه للثروات والخيرات الطبيعية الكثيرة والعقول المفكرة والايادي العاملة فضلا عن موقعه الجغرافي المتميز وعمقه الحضاري والانساني . لقد أبيح البلد لأعدائه وتيتم العراق رجاله ونساؤه وهم كبار فإن لله وإنا اليه راجعون.

وقد استخدمت امريكا وبريطانيا وحلفائهما اشنع الوسائل والاساليب واحدث الاسلحة المدمرة في حربهم القذرة على هذا البلد ومن ذلك  اسلحة الدمار الشامل كاليورانيوم المنضب والفسفور الحارق الخارق كما اثبت ذلك التقارير العلمية والطبية التى صدرت عن حرب الابادة والارض المحروقة في الفلوجة وكيف ان الفلوجة اصبحت ( هيروشيما العراق الجديد !) حيث قدر الخبراء ما القي على هذه المدينة المنكوبة من هذه الاسلحة الفتاكة ما يعادل 10 اضعاف القنبلة الذرية التي القيت على هيروشيما في اليابان في اواخر الحرب العالمية الثانية عام 1945 . وقد ظهرت وتظهر وستظهر الحالات السرطانية الكثيرة بين ابناء تلك المناطق فضلا عن الولادات للأجنة المشوهة وانخفاض ملحوظ بنسبة مواليد الذكور كما جاء في التقارير الطبية و مثال ما حدث في الفلوجه ينطبق على باقي مدن ومناطق العراق كذلك ! ([7]).

وكذلك ما اقامته امريكا وعملاءها من الاعتقالات الكثيرة والتعذيب لعشرات الآلاف من العراقيين الابرياء وسوء معاملتهم بتهمة الارهاب ومقاومة الاحتلال !؟ وهل الذي يدافع عن وطنه وارضه وعرضه ارهابي !؟ والتي اثبتته الوقائع والوثائق والتسجيلات الصوتية والافلام المصورة  عن هذه الاساليب الوحشية في معاملة المعتقلين وما فضيحة سجن ابو غريب الا مثالا واضحا لهذه الممارسات .

ليس هذا فحسب وياليت الامر توقف عند هذه الاحداث والانتهاكات المريعة والجسيمة والوحشية التي تندى لها جبين الانسانيه  بل تعدى ذلك الى  ما هو أدهى وامر وهو سرقة الاثار والمخطوطات والكنوز والارشيفات وغيرها من الممتلكات الخاصة والعامة للعراق المظلوم  ونهبها وبشكل منظم ونقلها الى بلادهم باشراف من قياداتهم العسكريه  والى حد الان , هذا إضافة الى بعثرة خيراته وسرقة أمواله وثرواته بشكل مباشر وغير مباشر والقيام بحل الجيش والقوات المسلحة بحث اصبح العراق مفتوحا لكافة الانتهاكات الخارجية ودخول العصابات اليه من الشرق والغرب لممارسة التخريب المبرمج لتدمير العراق وتمزيقه . هذا غيض من فيض والذي اصبح معروفا وموثقا فهل هذه هي الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان التي جاؤوا بها ولتحقيقها ؟ فنخلص من ذلك أن هؤلاء القوم ( امريكا وبريطانيا ) ومن معهم هم كاذبون ومنافقون ومجرمون ومتوحشون وينطبق عليهم ووصفهم بـ (يأجوج وماجوج العصر الحديث) الذي ادعى بوش انه جاء للعراق للقضاء عليهم في حديثه مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك المذكور في بداية هذا المقال ! بل إن هم اشنع واخطر من (يأجوج ومأجوج العصر القديم) لان اولئك كانوا جهلة عديمي الثقافة ولم يدعوا لانفسهم انهم حماة الحرية وحقوق الانسان كما ادعى بذلك بوش وبلير وزمرتهما وهما يتفوقان بالعلم والتكنلوجيا التي كان المفروض ان يوظفوها للخير وليس للشر والعدوان وشن الحروب على الشعوب المستضعفه لتحقيق مقاصدهم التوسعية الشريرة واطماعهم الخبيثة لذلك فان وصف ياجوج وماجوج ينطبق عليهما فقد اعادا بتصرفاتهما وعدوانهما ما عجز ياجوج وماجوج العصر السابق عند القيام به لذلك وجب على العالم الحر والانسانية فضحهما وتقديهما الى المحاكم الدولية كمجرمي حرب للإقتصاص منهما وتعويض الشعب العراقي المنكوب عن الخسائر التي لحقت به جراء عدوانهما عليه وبدون قرار دولي  او موافقة من مجلس الامن كما صرح بذلك الامين العام السابق للامم المتحدة السيد ( كوفي عنان ) قبيل انتهاء مهامه وعمله  وكما جاء في نهاية تقرير محكمة بروكسل المشار اليه أعلاه قولهم "ونحن نناشد جميع الدول أن تسائل الولايات المتحدة خلال المراجعة الدورية الشاملة في 5 نوفمبر عن كل هذه الجرائم ضد الشعب العراقي.و نحن نطالب ايضا بوضع اجراءات لتعويض الشعب العراقي و العراق كدولة عن جميع هذه الخسائر و الدمار و الاضرار التي تسبب بها الحرب و الاحتلال لهذا البلد."

وقد نشرت صحيفة الحياة في عددها المرقم  17334 الصادر في 19 /9/2010 أن ليبيا قد طلبت من الامم المتحدة اجراء تحرير قضائي في الغزو الامريكي و البريطاني للعراق ولكن الحكومة العراقية الخاضعة للإحتلال رفضت ذلك بحجة انه يشكل تدخلا في الشان العراقي وان دوافعه سياسية !؟ ولكن سيأتي اليوم الذي سيقاضي  الشعب العراقي( يأجوج ومأجوج العصر الحديث ) للجرائم التي ارتكبت بحقه والمطالبة بالتعويض وما ضاع حقٌ وراءه مطالب  .

وفي منتصف ديسمبر/ كانون الأول 2010 أصدر مجلس الأمن الدولي قراراً برفع العقوبات التي فرضت على العراق قبل 20 سنة، وانتهزت الكاتبة الأمريكية جوي غوردون، هذه المناسبة للتذكير بأن حكومة بلادها تبقى مسؤولة عن الكارثة الإنسانية الرهيبة التي حلت بالعراق نتيجة لتلك العقوبات غير المسبوقة في تاريخ الأمم المتحدة، وذلك في مقال نشرته في صحيفة (ذا كابيتال تايمز) التي تصدر في ولاية ويسكونسن:

 غوردون قالت في المقال إن نائب الرئيس الأمريكي جون بايدن رحب بقرار مجلس الأمن باعتباره (نهاية التركة الثقيلة لعهد صدام حسين القاتم)، ولكن ما لم يقله بايدن هو أن العقوبات كانت أكثر من ثقيلة، فقد تسببت بأزمة إنسانية أدت إلى وفاة مئات آلاف الأطفال، وانهيار كل البنى التحتية اللازمة لبقاء الحياة البشرية في مجتمع معاصر . 

 فقد كانت الولايات المتحدة هي الوحيدة التي جهدت لكي تكون هذه الأضرار البشرية جماعية وعشوائية و في إطار لجنة تابعة لمجلس الأمن، تعرف باسم (اللجنة 661)، وهي التي كانت تقرر ما إذا كان العراقيون سيحصلون على مياه نظيفة، وكهرباء في بيوتهم، أو وقود لسياراتهم وشاحناتهم . وكانت تلك لجنة تجتمع خلف أبواب مغلقة، ولم تنشر سجلات عملها أبداً، وفي داخل هذه اللجنة، كانت الولايات المتحدة تتمتع بدور فريد.

وخلال أول ثمانية أشهر من العقوبات، لم تكن الولايات المتحدة تسمح للعراق حتى باستيراد المواد الغذائية، وعندما كانت (اللجنة 661) توافق على شحن مواد غذائية، كانت الولايات المتحدة تعترض على استخدام الشاحنات اللازمة لنقل الأغذية وسلع أخرى، وكذلك على أعتدة ري مخصصة لزيادة الإنتاج الزراعي ، ومنعت شحن أجهزة تبريد لحفظ الأدوية، بحجة أن البرادات يمكن أن تستخدم لتخزين مكونات أسلحة جرثومية، وذهبت إلى حد منع شحن سلع غير مؤذية مثل الخشب الرقائقي، والصمغ والزجاج، بحجة أنها إمدادات صناعية يمكن أن تستخدم لإعادة بناء الجيش العراقي . ومنعت الولايات المتحدة أيضاً شحن لقاحات أطفال وتجهيزات لصنع اللبن خلال فترة جفاف في العراق، عندما انتشرت أمراض وبائية نتيجة شرب مياه غير صالحة للاستخدام الآدمي، كما منعت شحن أنابيب مياه للري، ومفاتيح كهربائية، وهواتف، وأجهزة راديو لسيارات الإسعاف، وشاحنات لفرق الإطفاء، بزعم أن هذه الإمدادات يمكن أن تستخدم لحساب الجيش العراقي .

  ومع تفاقم الوضع الإنساني في العراق، بدأ التأييد للعقوبات داخل مجلس الأمن يتآكل، وعندما سعى أعضاء في المجلس للسماح بوصول سلع إنسانية حيوية إلى العراق، اعترضتهم الولايات المتحدة بحق النقض (الفيتو)، وبطبيعة الحال، لم يجد أحد غير الولايات المتحدة أن هذه التبريرات معقولة، وقد فندت لجنة المفتشين الدولية، التي شكلتها الأمم المتحدة لمراقبة تسلح العراق، العديد من الحجج التي استخدمتها الولايات المتحدة لمنع شحن سلع إنسانية، وحتى بريطانيا، الحليف الأوثق للولايات المتحدة داخل مجلس الأمن، لم تؤيد وجهات نظر الولايات المتحدة، ورغم كل ذلك، نادراً ما كانت الولايات المتحدة تلين . وكانت الولايات المتحدة تصر على أن تلك السياسة كانت تستهدف صدام حسين، ولكن كان واضحاً تماماً أن تلك السياسة لم تكن لها علاقة تذكر بالزعيم العراقي، فالقيادة السياسية والعسكرية في العراق، وكذلك النخبة الثرية، لم تتأثر إطلاقاً بالعقوبات، خلافاً للشعب العراقي ككل الذي كان يعاني الأمريين .وأن يتم تدمير البنية التحتية للبلد، وأن تتم إعادة هذا البلد إلى وضع سابق للعصر الصناعي، ثم إبقاؤه على هذه الحال، يعني أن هذا البلد أصبح غير قادر على تغذية الحياة البشرية . وتقارير وكالات الأمم المتحدة ومنظمات دولية مثل الصليب الأحمر تثبت أن الولايات المتحدة كانت تعلم علم اليقين الضرر الذي كانت سياساتها تسببه ([8]).  

هذا من ناحية ومن ناحية آخرى فان (جورج بوش) وزمرته من المحافظين الجدد في الحزب الجمهوري ومن ناصروهم قد اوقعوا بلادهم وشعوبهم في خسائر مادية وبشرية كبيرة فضلا عن فقدانهم للمصداقية أمام شعبهم وشعوب العالم أجمع لانتفاء الحجج المزعومة باحتلال العراق كما ذكرنا اعلاه فأصبحت سمعتهم في الحضيض وكذلك اصبح الشخص العادي والبسيط يدرك دجلهم ويحقد عليهم وقد بلغت خسائر الجيش الامريكي بالافراد حتى منتصف نوفمبر 2011 وحسب احصاءهم الرسمي (4483) قتيلا و (32200 ) جريحا ومجموعهما (36683) ([9])، علما ان العدد الحقيقي اكبر من ذلك بكثير اذا ما اضفنا اليه خسائر  الجنود المرتزقة الذين جاؤا بهم معهم ومن افراد الشركات الامنية الخاصة (المتعاقدين معهم) الذين يبلغ تعدادهم نحو 150 الف شخص أي ما يوازي تعداد الجيش الامريكي نفسه في العراق تقريبا . فهو جيش آخر يتميز بالوحشية والقسوة المفرطة وعدم الانضباط اكثر من الجيش الامريكي حتى ان احدهم قال متباهياً (ان قتله للعراقي أسهل عليه من قتل الذبابة) ! فتصوروا مدى الاجرام والوحشية التي وصلوا اليها ولاحول ولا قوة الا بالله . أما عن المديونية العامة في الولايات المتحدة الامريكية فقد وصلت الى نحو 13.5 ترليون دولار والعجز في الميزانية لعام 2010 وصل الى 1.5 ترليون دولار .فإذا أضفناه الى العجز السابق فيبلغ المديونية حتى نهاية ذلك العام 15 ترليون دولار تقريبا . واذا ما قسمنا هذا المبلغ على عدد سكان الولايات المتحدة الامريكية البالغ نحو 300 مليون نسمة فإن المديونية الواقعة على الشخص الامريكي تبلغ نحو 50000 دولارا ، علما أن هذه الحرب الغاشمة على العراق وتواجد القوات الامريكية فيه على مدى 9 سنوات قد كلفت الخزانة الامريكية 800 مليار دولار امريكي ([10]) . فلماذا أوقع (جورج بوش) شعبه في هذه الخسارات المادية والبشرية  وهل يدرك الشعب الامريكي هذه الحقائق التي كانت من اهم الاسباب  المؤدية في حصول الإنهيار الإقتصادي الكبير الذي حدث قبل أكثر من عامين ولا يزال.

وإننا نرى قوارع متتالية ونذر زلزلة إلهية قادمة على الولايات المتحدة الأمريكية ... فمن أحداث 11سيبتمبر (أيلول) التي صنعوا !!... الى إعصار كاترينا !!... الى فشل مخططهم الجهنمي بالتعاون مع الكيان الصهيوني وعملائهما في عدوانهم على غزة المحاصرة للقضاء على حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والحكومة الوطنية المنتخبة ديموقراطيا فيها! فخرجت غزة منتصرة وشامخة ... الى الزلزلة الإقتصادية الأخيرة !!... الى فضحهم ونشر غسيلهم على الملأ من ويكيليكس !... وأخيرا وليس آخرا ثورات الربيع العربي التي هزت المنطقة واسقطت اعتى الدكتاتوريات المتحالفة معها وجعلتها تتخبط في مواقفها وتصاب بالذهول ! فرويدا رويدا فإن بطش الله قادم ما لم يراجعوا انفسهم وإن الله عزوجل لهم بالمرصاد  والله يقول في محكم كتابه :

  (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ , مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء  , وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ, وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ , وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ , فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ) إبراهيم : 42-47 . صدق الله العظيم

وفي الختام  : فإن العراق في محنة كبيرة وحتى بعد الإنسحاب الأمريكي عسكريا وظاهريا والتدخل الإيراني الفاضح في الشأن العراقي فإن المخرج من هذه المحنة هو ماقرره العلامة طاهر البرزنجي الحسيني رحمه الله في وصيته الجامعة والنافعة (الى رجالات الأمة والشعب العراقي) بقوله : (إن المخرج من المحنة ما سأذكره فيما يلي طريق أرجو ان يكون مخرجا لمحنة العراقيين بإذن الله و نصيحتي لمن سألني الفتوى من أهلنا في العراق لعل ذلك يكون من جملة ما يعينهم على الخروج من هذا الوادي السحيق والويل المنصوب من القتل والتشريد والحبس والتجويع والتناحر والتقاتل.

ومادام الفرنجة الجدد قد مزقوا جسد العراق والعراقيين فلا بد أن نبدأ من حيث انتهوا فنبدأ بأضعف طرف في هذه المحنة فنقويه وأعني السنة العرب فهم اليوم كبش الفداء وصاروا فرقا بينهم تنافر وشحناء, وفي استعادتهم لوحدتهم ومكانتهم اعادة للتوازن وبداية لتوحد أهل البلد بإذن الله.

إن المخرج من المحنة يتلخص في أمرين أساسيين هما اجتماع أهل السنة على مجلس شورى أو مجلس حل وعقد سمه ما شئت  فلا ضير, ومن ثم ميثاق شرف يبين أسس التعامل فيما بينهم وكذلك التعامل مع باقي أطياف الشعب العراقي المظلوم... ثم إنني أنصح الجميع ممن تعايشوا قرونا معا في هذا البلد أن يجلسوا معا ويراجعوا مسلكهم ويراجعوا منهجهم في التعامل مع الحوادث ثم يتفقوا على أمر يوقفون به نزيف الدم الحرام سفكه والمال الحرام نهبه ووقف هجرة العقول والطاقات إلى خارج البلاد بحثا عن الأمان ثم الرزق وكلنا مسؤولون أمام الله يوم القيامة إن قصرنا في سعينا لحقن الدماء وحماية الأعراض أوقدمنا المصلحة الخاصة الضيقة على المصالح العامة للأمة .

لقد عملت جميع الأطراف بمفردها فلم ينجحوا في وقف آلة الحرب والقتل والدمار ووقف النهب المستمر لثروات أرض السواد (بل نسميه اليوم أرض السوادين لسواد الزرع فوق الأرض ولسواد النفط تحت الأرض ) فلماذا لا يبدؤون بالحوار الجاد المخلص مع بعض ثم العمل بجمعهم لحقن دماء أهل العراق (فما نخشى منه في الجماعة خير مما نحبه في الفرقة) كما قال عالم الكوفة وقارئ الأمة الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.. ([11])

 

 

 

والله يقول الحق وهو يهدي السبيل .

الدكتور محمد جميل الحبال

الدمام 9/4/2012 الموافق 17 جمادي الاولى 1433 هـ

Email: alhabbal45@yahoo.com

 

 

 



 

أهم المراجع:

[1] . جان كلود موريس ، لو كررت ذلك على مسامعي فلن أصدقه، مركز صقر للدراسات الاستراتيجية،

 http://www.saqrcenter.net/index.php?p=1726

[2] .إعتذار كولن باول عن أكاذيبه  Powell: CIA should answer for faulty WMD intel

 http://www.politico.com/news/stories/0211/49718.html#ixzz1sTddjYag

[3] .التقرير النهائي لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية بخلو العراق من اسلحة الدمار الشامل

CIA’s final report: No WMD found in Iraq

http://www.msnbc.msn.com/id/7634313/ns/world_news-mideast_n_africa/t/cias-final-report-no-wmd-found-iraq/#.TzBG6cWRHng

[4] . تقارير البرادعي  و هانز بليكس عن خلو العراق من أسلحة الدمار الشامل .

http://www.youtube.com/watch?v=JnLgBDVcMMs

[5] . تقرير محكمة بروكسل عن ( تفكيك وتدمير الدولة العراقية)

http://www.globalresearch.ca/index.php?context=va&aid=21781

[6] . مجلة المرابط الراصد، دار الراصد للطباعة والنشر،نقلا عن وثائق ويكيليكس.

http://www.alrassedonline.com/2010/12/182.html  

[7] . سعد الدغمان، الفلوجة هيروشيما العراق الجديد ... حرب الأجنة .. العار الأمريكي الذي لايمحى ،شبكة البصرة

  http://www.almansore.com/Art.php?id=18916 

[8] . أمريكا تحاول التنصل من مأساة حصار العراق، صحيفة الخليج الاماراتية ،01/01/2011 ،

http://www.alkhaleej.ae/portal/a27b6284-1c14-48f8-8141-ff4afaa9c22e.aspx

[9] . همام عارف،اسامة البغدادي، من هزم امريكا في العراق؟ الحقيقة بالارقام، صناعة الفكر للدراسات والابحاث، بيروت/لبنان. http://www.fikercenter.com/fiker/

[10] . عن تكاليف الخزانة الامريكية في احتلال العراق، Nine Years of War in Iraq ، Dec 30, 2011 ،

http://blogs.denverpost.com/captured/2011/12/30/captured-nine-years-of-war-in-iraq/5165/#.T8NJYlG6whM.facebook

[11] . من وصية العلامة طاهر البرزنجي الحسيني الى رجالات الأمة ،

http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=1762951