القران معجزة علمية للدكتور محمد جميل الحبال_ (الموصل)_ العراق القران الكريم كتاب عقيدة و هداية و إرشاد و منهاج حياة،و هو المعجزة الكبرى و الدائمة و المتجددة لرسولنا الكريم محمد (صلى الله عليه و سلم) و الذي قال بحقه عز وجل (آن هو آلا ذكر للعالمين ،و لتعلمن نباه بعد حين)ص/33،و قال صلى الله عليه و سلم في حقه أيضا: ( و هو الذي لا تنقضي عجائبه)من حديث طويل عن فضائل القران الكريم للطبراني ،ومعني ذلك (انه الذي لا تنقطع معجزاته و براهينه و تتدفق غيوبه و علومه على سائر الأجيال حتى قيام الساعة)و قال ابن عباس (رضي الله عنها) : (القران يفسره الزمان). و في هذا المعنى ورد وصف القران الكريم على لسان الأمام آبو حامد الغزالي انه الكتاب الذي يحوي علوم الأولين والآخرين حيث قال في كتابه (أحياء علوم الدين)فيما يرويه عن عبد الله ابن مسعود (رضي الله عنها)قوله : (من أراد علم الأولين و الآخرين فليتدبر القران)،و يقول الأمام السيوطي في كتابه (الإتقان في علوم القران)(لقد اشتمل كتاب الله العزيز على كل شئ ،آما أنواع العلوم فليس منها باب ولا مسألة هي اصل آلا و في القران ما يدل عليها) آما الفخر الرازي فقد قال في كتابه :(نهاية الإيجاز في دراية الأعجاز):( ثبت آن القران مشتمل على تفاصيل جميع العلوم الشريفة عقلها و نقلها ،اشتمالا يمتنع حصوله في سائر الكتب ،فكان ذلك معجزا و إليه الإشارة بقوله تعالى :(و تفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين)يونس/37. لقد أبدع الفقهاء أيما إبداع في استنباط الأحكام من كتاب الله و سنة نبيه (صلى الله عليه و سلم)،و يكفينا آن نعلم آن الدكتور عبد الرزاق السنهوري _وهو من اعظم مقنني العالمين العربي و الإسلامي ،ألقى محاضرة في بغداد قال فيها: (لو وضعنا قوانين العالم كلها في كفة ،و وضعنا فقه الأمام آبي حنيفة في كفة لرجع فقه الأمام آبي حنيفة على فقه مقنني العالم كله) و الذي يعرف مكانة الدكتور السنهوري من الناحية القانونية يعرف أهمية هذه الشهادة.
1/ الأمام الغزالي د/أحياء علوم الدين _ج1/ص289. 2/الأمام السيوطي/الإتقان في علوم القران/الجزء (2) /ص129.
و لا عجب في ذلك فان الأمام محمد بن الحسن الشيباني تلميذ الأمام آبي حنيفة (المتوفى سنة 189ه) استطاع آن يستنبط من نصوص الكتاب و السنة ما يعادل اكثر من عشرين ألف مادة قانونية،وقد استنبط هذا الفقيه و غيره من الفقهاء و العلماء أحكام (الفقه الإسلامي) _ الذي لا تضاهيه قوانين العالم كلها_ من نحو أربعمائة آية قرآنية من اصل (6236) آية في القران الكريم وذلك عن طريق الاستنباط و الاجتهاد،أي بنسبة 8%. إذا ما عرفنا آن الآيات الكونية في القران الكريم تناهز 1200 آية بنسبة 20%من مجموع آياته ،علمنا أهمية هذا الجانب ،غير آن الناظر في تفاسير العلماء _ رحمهم الله_ لا يشك آن آيات العلوم الكونية إنما نالت نصيبا يسيرا من عناية المفسرين بالقياس الى آيات الأحكام الفقهية ،وهم معذورون في ذلك ،لعدم توافر الوسائل العلمية الحديثة الموجودة في الوقت الحاضر للوصول الى هذا الهدف ،إذ آن القران و السنة يهديان الى بحوث طبية و كونية كثيرة ،إذا احسن دراستها و فهمها بدقة ،و الإفادة من الوسائل و الأدوات العلمية و التقنية الحديثة و التي لم تكن متوفرة سابقا. كذلك نجد آن العلماء قديما قد أولوا اهتمام كبيرا بالأعجاز البلاغي و البياني ،فصنفوا المجلدات و المؤلفات العديدة ،و سبروا أغواره فلم يبقوا بابا آلا طرقوه ،و هذا يعتبر بحق من أهم اوجه الأعجاز في هذا السفر المبارك و حتى قيام الساعة ،ألانه نزل بلغتهم ،وهم من هم في الفصاحة و البيان ،فتحداهم فاستكموا مما هو معروف ،و انقادوا له. وفي عصرنا هذا _ عصر العلم الحديث_اخذ الأعجاز ينحى باتجاه آخر عرف ب_الأعجاز العلمي القرآني_بعد اكتشاف الكثير من الحقائق العلمية ،و تحديدا في العقدين الأخيرين من القرن العشرين ،فالفت الكثير من الكتب ،و عقدت لذلك الندوات و المؤتمرات و المعارض في كل البلاد العربية و الإسلامية و العالمية ،و قد انتبه الكثير من علماء التفسير المحدثين الى هذه الظاهرة العلمية القرآنية فاخذوا يضمنون تفاسيرهم شيئا منها ،و حب توجهاتهم وما وصلهم من حقائق علمية ،منهم الأستاذ العلامة الشيخ _محمد الطاهر بن عاشور_ من المغرب العربي الذي هو من القلة المعدودة من علماء القرن الرابع عشر الهجري ،الذين جمعوا علوما عديدة ،وهو صاحب التفسير المشهور (التحرير و التنوير)المعروف بأهميته و معاصرته للتغيرات التي طرأت على أحوال الآمة.
جاء في تفسيره ما يؤكد هذا التوجيه ،و هذا الاهتمام ،فقد ذكر تفسيره لقوله تعالى : (و ترى الجبال تحسبها جامدة ،و هي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شئ انه خبير بما تعملون) النمل/88. يقول ابن عاشور : (و ليس في كلام المفسرين شفاء لبيان اختصاص هذه الآية بان الرائي يحسب الجبال جامدة ،و لا بيان وجه تشبيه سيرها بالسحاب ،و لا توجيه التذييل لقوله تعالى : (صنع الله الذي أتقن كل شئ)و لذلك كان لهذه الآية و ضع دقيق و معنى بالتأمل خليق ،و لكن هذا استدعاء لاهل العلم و الحكمة لتتوجه أنظارهم الى ما في هذا الكون من دقائق الحكمة ،و بديع الصنعة ،وهذا من العلم الذي أودع في القران الكريم ليكون معجزة من الجانب العلمي يدركها آهل العلم كما كان معجزة للبلغاء في جانبه النظمي،و الخطاب للنبي (صلى الله عليه و سلم)تعليما له لمعنى يدرك كنهه ،وادخارا لعلماء أمته الذين يأتون في وقت ظهور هذه الحقيقة الدقيقة فالنبي (صلى الله عليه و سلم) اطلعه الله تعالى على هذا السر العجيب في نظام الأرض كما اطلع سيدنا ابراهيم عليه السلام على كيفية أحياء الموتى (حتى إذا كشف العلم عنه من نقابة وجد آهل القران الكريم ذلك حقا في كتابه ،فاستلوا سيف الحجة به ،وكان في قرابة.) وإذا فان هذا هو عصر العلوم الكونية و الطبية ،وذهاب الإنسان الى نقاط بعيدة في هذا الكون ،بحثا عن الجديد رقية، وفي خلق الإنسان و تكوينه ،إذا فان الآمر كذلك ،فان عصر الأعجاز العلمي في القران الكريم هو هذا العصر ،و على آهل العلم آن يشمروا عن ساعد الجد و العمل ،وكما عبر _ابن عاشور_ في تفسيره ،آن آهل العلم سيستلون سيف الحجج الذي كان في قرابة ،و حان آن يخرج و يصدق قول الحق جل وعلا : (وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها و ما ربك بغافل عما تعملون)النمل/93 وقوله تعالى "سنريهم آياتنا في الآفاق و في أنفسهم حتى يتبين لهم انه الحق ،آو لم يكف بربك انه على كل شئ شهيد)فصلت /53.
آن إظهار المعجزة القرآنية العلمية في هذا العصر هو نوع من أنواع الجهاد لقوله عز وجل : (فلا تطع الكافرين و جاهدهم به جهادا كبيرا) الفرقان /52.وهذه السورة مكية (قبل الآمر بالجهاد ،الذي قرض في المدينة المنورة) ،فالمفهوم منها هو _و الله اعلم _إظهار الأعجاز القرآني و تحدي الكافرين به،ومنه (الأعجاز العلمي)الذي هو اوجه أعجاز القران المتعددة ،و مما يعمد هذا الاستنباط آن الآيات التي سبقت هذه الآية (جاهدهم به جهادا كبيرا) والآيات التي بعدها كلها من الآيات الكونية و العلمية ابتداء من قوله تعالى : (آلم ترى الى ربك كيف مد الظل) انتهاء بقوله تعالى: (وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا) الفرقان /54. وكما يقول المفسرون آن معنى و تفسير الآية متعلق بسياق الآيات التي جاءت معها. آذن فان الخطاب العلمي القرآني هو نوع من أنواع الجهاد العلمي ،و إقامة الحجة على الكافرين ،و تثبيتا للمسلمين قال تعالى: (قل أنزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى و بشرى للمسلمين)النحل/اية102، وأننا في هذه الحلقات سنقدم لكم آن شاء الله تعالى موضوعات متنوعة من الأعجاز الطبي و العلمي في القران الكريم و الله غالب على آمره وهو الموفق و المعين و الحمد لله رب العالمين) .. د.محمد جميل الحبال
|