بسم الله الرحمن الرحيم

من الاعجاز العددي في القرآن الكريم: الظاهرة الزوجية في سورة ( الرحمن )

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد :

 فإن سورة الرحمن في القرآن الكريم تمتاز بظاهرة بيانية وبلاغية وعددية اعجازية متفردة ومتميزة عن بقية سوره وهي الظاهرة الزوجية والمتمثلة بالمحاور  الآتية :

1- عدد آياتها (78) آية وهو من الارقام الزوجية و يتألف من عددين .

2- ترتيب السورة في القرآن الكريم ( 55 ) وهو رقم يتألف من عددين متماثلين .

3- قوله تعالى : (فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ  ) قد تكرر 31 مرة في هذه السورة ! ولم ترد هذه الآية  إلا في هذه السورة والتي تتميز بها عن بقية سور القرآن الكريم في نصها وفي تكرارها والخطاب فيها موجه الى الانس والجان من قبل رب العالمين وهما مخلوقان مكلفان والخطاب موجه اليهما (رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) وهذه ظاهرة زوجية ايضا .

4-  وهذه الآية (فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) تتألف من أربع كلمات ( عدد زوجي )  وعدد حروفها 20 حرفا ً (حسب الرسم القرآني للمصحف الشريف ) وهو عدد زوجي أيضا ! .

5- و قد تكررت هذه الآية في المواقع الرقمية التالية من السورة (وحسب ترتيب ورودها فيها) وجميع ارقامها زوجية (يتألف من عددين ) وكالآتي :

13   16   18  21  23   25   28   30   32   34   36   38  40  42  45     47  49  51  53  55   57   59  61  63  65  67   69  71  73   75  77

 

 6- فضلا عن ذلك  فان هناك ظاهرة زوجية رائعة اخرى تشمل معظم بقية آياتها الكريمة ان لم نقل جميعا  ! إذ  ان في كل آيه في هذه السورة ظاهرة زوجية تتمثل في ذكر بعض الاسماء و المسميات و الاوصاف المتماثله لفظا او معنى تكرارا مرتين (التطابق اللفظي او المعنوي) او من كلمة واحدة وفيها مايفيد الزوجية ايضا في ذكر ذلك الشيئ وكما يأتي حسب ترتيب ورودها في السورة موضوعة البحث وذلك في قوله تعالى :

- ( الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ  ) 5 , الشمس والقمر .

- (وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ) 7 , رفعها ووضع ( الرفع والوضع )

- (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ) 9 , القسط والميزان .

-  ( وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ) 6 ,النجم والشجر

- ( فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ) 11 , الفاكهة والنخل

- ( وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ) 12 , العصف والريحان

- (  خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ  , وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ   )  14-15 الانسان ( من صلصال كالفخار ) والجان ( من مارج من نار ) وكلا الآيتين تتألف من 5 كلمات ( التناسق العددي ) .

- ( رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ ) 17 , المشرقين والمغربين

- ( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ ) 19 ,  البحرين ،يلتقيان

- (  بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ  ) 20 , بينهما , لا بيغيان

- ( يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ ) 22 , اللؤلؤ والمرجان

- ( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ) 27 , ذو الجلال والاكرام

- ( يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ) 29 , السماوات والارض

- (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ  ) 31 , الثقلان ( وهما الانس والجن )

  - (  يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ  ) 30 , الجن والانس -   السماوات والارض .

- ( يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنتَصِرَانِ ) 35 , نار ونحاس

- ( فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ ) 39 , انس و جان

- ( يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ ) 41 , النواصي والاقدام

- ( يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ ) 44 , بينها وبين

- ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ  ) 46 , جنتان

- ( ذَوَاتَا أَفْنَانٍ  ) 48 , ذواتا

- ( فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ  ) 50 عينان تجريان

- ( فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ ) 52 ,فيهما , زوجان

- (مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ ) 54 , الجنتين

- (فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ  ) 56 , انس  وجان

- (كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ  ) 58 , الياقوت والمرجان

- ( هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ  ) 60 , الاحسان, الاحسان

- ( وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ ) 62 , دونهما جنتان

- ( مُدْهَامَّتَانِ  ) 64 , مدهامتان

- ( فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ  ) 66 , عينان , نضاختان

- ( فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ  ) 68 , فيهما , نخل ورمان

- ( فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ  ) 70 , خيرات , حسان

- (  لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ  ) 74 , انس و جان

- (  مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ  ) 76 , رفرف خضر, وعبقريٌ حسان

- (  تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ) 78 , ذي الجلال والاكرام  .

إن هذه المنظومة الثنائية والظاهرة الزوجية في هذه السورة المباركة تشكل تصوير فني وبلاغي بياني رائعين وكانها لوحة فنية ومصفوفة متناسقة غاية في الروعه و الجمال وقد نسجت بدقة وإتقان بالغين.

7- ومن أهم ما تمتاز به هذه السورة عن بقية اخواتها من سور القرآن الكريم ( حيث أن لكل سورة ما يميزها )  فضلا عن المنظومة الثنائية والظاهرة الزوجية المذكورة اعلاه هو انها السورة الوحيدة في القرآن الكريم التي تبدأ بذكر (الرَّحْمَنُ) الذي هو من أسماء الله الحسنى الخاصة به، بمعنى أنه رحمن في ذاته ، مثل لفظ الجلالة ( الله ) سبحانه وتعالى حيث لايجوز لأحد أن يلقب نفسه به كونه من أسماء الذات .

8- وكذلك  تتميز هذه السورة بتقديم العلم على الخلق بقوله تعالى :(عَلَّمَ الْقُرْآنَ , خَلَقَ الْإِنسَانَ ) الرحمن: 2-3 , وذلك لشرف العلم وافضليته وأهميته بالرغم من أن خلق الانسان كان أولا ويسبق عملية التعليم , ولكن ذكر قبلا من باب التشريف والتكريم .

 ثم اتبعه بقوله تعالى (عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ) الرحمن:4 , أي اعطاه  المقدرة على الكلام وفهمه والنطق والتعبير والتي لا يملكها من بقية المخلوقات الا هذا الانسان المكلف , ليدرك ما حوله ويفهم المراد منه خاصة التوجيهات الإلهية التي جاءت بها الرسل والكتب السماوية لتحقيق سعادته في الدنيا والاخرة . وكذلك للحصول على العلوم والمعارف التى ينتظم بها الكون من حوله ليفهم نواميس الطبيعة وقوانينها التى خلقها الله من اجله وسخرها له .

9- وكل آية من هذه الآيات الثلاث في صدر وبداية هذه السورة تتألف من كلمتين اثنتين :(عَلَّمَ الْقُرْآنَ , خَلَقَ الْإِنسَانَ , عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ) الرحمن : 2-4 وتتمثل فيها هذه المنظومة الثنائية والظاهرة الزوجية على مستوى عدد الكلمات ! وكأنها شعار زوجي آخر  يتصدر هذه السورة  لاعطائها هذه الصفة ! هذا وهناك آية آخرى واحده فقط في هذه السورة تتالف من كلمتين ايضاً وهي قوله تعالى : ( ذَوَاتَا أَفْنَانٍ  )الرحمن 48 , ورقم هذه الآية يتألف من عددين زوجيين هما  ( 8-4 ) . فكأنها تكمل بذلك هذه المصفوفة الثنائية الرائعة مع أخواتها الآيات الثلاث المذكورة أعلاه . فيصبحن اربع آيات كل منها تتألف من كلمتين.

10- وأخيرا ( وليس آخرا  إذ أن القرآن الكريم لا تنقضي عجائبه ! ) ففي هذه السورة آية متفردة عن جميع آيات هذا الكتاب المبارك والتي تبرز فيها الظاهرة الزوجية والمنظومة الثنائية بكل معانيها البلاغية والبيانية والعددية الزوجية وكأنها خلاصة لكل هذه المعاني المذكورة في سورة الرحمن وهي قوله تعالى: ( مُدْهَامَّتَانِ  ) الرحمن :64 حيث تنفرد بالمؤشرات الزوجيه التالية :

 أ‌-                    بلاغياً : (مدهامتان) أي الجنتان شديدتا الخضرة ( وفيها المعنى الزوجي أيضا ).

ب‌-                عدديا: إنها الآية الوحيدة في القرآن الكريم التي تتألف من كلمة واحدة  فقط وتشمل أعلى عدد من الحروف وهو 8 أحرف وهذا العدد زوجي أيضاً. كذلك فإن رقم هذه الآية هو 64 وهذا الرقم زوجي يتألف من عددين زوجيين هما ( 4-6 ) وهذا الرقم هو من مضاعفات العدد 8 حيث أن 8x8=64

فبذلك يتحقق هذا التناسق العددي الزوجي ذو الابعاد الثنائية على مستوى هذه الآية وهذه السورة في آن واحد والله أعلم بمراده .

والحمد لله رب العالمين

 

د. محمد جميل الحبّال

الدمام –2/10/ 2010 

Email:  alhabbal45@yahoo.com