بسم الله الرحمن الرحيم

المسيرة العلمية للأمة الاسلامية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:

إن القران الكريم ينشأ العقلية العلمية ويشجع على التفكير والنظر في الكون وصولا لتسخيره للإنسان والافادة منه لخير البشرية وسعادتها حيث أن أول آيات التنزيل قوله تعالى :

(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ , خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ , اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ  , الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ  , َلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ) العلق : 1-5

 فالأمر بالقراءة وطلب العلم اولا الذي يجب أن يكون وفق منهج الوحي (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) فالامر رباني والتوجيه الهي وفق تعليماته  وليس بصورة عشوائية أو مادية مجردة ! والوسيلة هي وسائل العلم المختلفة متمثلة بالقلم (الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ )  كوسيلة أو أشارة الى تقنيات وادوات ووسائل العلم المتنوعة حسب ذلك الزمان و التقدم العلمي كالكومبيوتر والآلات الحاسبة المتطورة وغيرهافي زماننا هذا , و ما قد يكتشفه العلم في المستقبل !

في القرآن الكريم آيات متعددة تربو عن السبعين آية تشجع العلم وتثني على العلماء وتأمر بالتفكر والنظر في الكون منها قوله عز وجل :

(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) العنكبوت:20

(قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ) يونس :101

(فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ) الطارق: 5

(فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ, وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ, وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ, وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ) الغاشية:17-20

(وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ , وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ) الذاريات : 20-21

يقول محمد قطب في كتابه  ( رؤية اسلامية لاحوال العالم المعاصر ) ص161 :

( أن الحس البشري لا يملك مع تامل هذه الآيات الا ويلتفت الى الجانب العلمي فيها فكلها (ظواهر طبيعية) تلفت النظر والقرآن الكريم يشد الانتباه اليها شدا ليتأملها الانسان ويتدبرها , وفي أثناء تدبرها لا عجب أن يبحث عن السنن الربانية التي يجري لها الله هذه الظواهر الطبيعية .

والبحث عن هذه السنن الكونية ومحاولة التعرف عليها هي الروح العلمية الحقيقية التي يتقدم بها البحث العلمي ويكشف المجهول ) .

 ويقول يوسف القرضاوي في كتابه ( الرسول والعلم ) ص 38 :

 ( والايمان عندنا نحن المسلمين لايتعارض مع العقل والفكر بل يبني عليه ويتغذى به . والمؤمنون في نظر القرآن هم ( أولوا الالباب) والقران آيات ( لقوم يعقلون ) أو ( يتفكرون )  والعقل عند محققي  الاية اساس النقل فلولاه لما استند على وجود الله ولا على اثبات النبوه .

والقرآن بتعاليمه ينشئ العقلية العلمية التي تتقيد بالفكر وتؤمن بالبرهان وترفض الخرافة وتنكر التقليد للأباء او للسادة الكبراء )

 لذلك نرى أنه بعد أن استتب  الامر للدبن الاسلامي بعد ارساء قواعد التوحيد والقضاء على الشرك والكفر في الجزيرة العربية في عهد النبوة والخلافة الراشدة وفتح المسلمون الامصار واستقر الامر لهم  , برزت عندهم المواهب والتقدم في كافة العلوم الانسانية والكونية الطبيعية بكافة تخصصاتها وتقدموا في  جميع العلوم والمعارف وظهرت الحضارة الاسلامية في أبهى صورها . حيث فهم واستوعب المسلمون توجيهات كتاب ربهم وسنة نبيهم وعرفوا ما يراد منهم وما هي واجباتهم ومسؤلياتهم في اعمار الارض وتسخيرها لهم  بقوله تعالى :

(وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) الجاثية :13

وهذا التسخير  لا يتم الا بفك اسرارهذه النواميس الكونية عن طريق العلم والمعرفة والاحاطة بقوانينها التي تترجم قوانين الكون ومنظوماته . لذلك نبغ فيهم العلماء والاطباء في كافة التخصصات العلمية والانسانية وكانوا سادة العالم بحق و لقرون عديدة .

ولكن عندما تخلف المسلمون عن هذا الفهم وتخلوا عن العلم خرجت من ايديهم هذه العلوم واصبحوا في آخر القافلة في الوقت الذي انتبه الغرب الى اهمية هذه العلوم والمعارف وبذل قصارى جهده للحصول عليها فحصل على مراده وسيطر بذلك على العالم ! قال تعالى: (كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا ) الاسراء :20

1.      المهم أننا كامة اسلامية اذا وعينا الدرس فعلينا أن نستعيد دورنا العلمي والحضاري و الاخذ بناصية العلم والمعرفة بانشاء الجيل وتربيته على الاخلاق والايمان ومحبة العلم والعلماء كذلك  تشجيع مراكز الابحاث والعلوم والمعاهد والجامعات بكافة تخصصاتها لنلحق بالركب ونردم هذه الثغرة الكبيرة ونتجاوزها خاصة اننا امة مستضعفة ومحتل قسم منها من قبل الاعداء الطامعين رغم امكانياتها المادية والبشرية وخيراتها الطبيعية . ولكي نحصل  على القوة والتحرر علينا الاخذ بناصية العلم  والتقدم العلمي والمعرفي. قال تعالى :

(وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُواْ إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ  ,  وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ) الانفال : 59-60

 ولنا في الهند المثال الواقعي والعملي لتحقيق هذا الهدف حيث رصدت الهند مبالغ كبيرة ( وهو البلد الذي يقع أكثر من 50% من سكانه تحت خط الفقر) يهدف جمع اكبر عدد من العلماء الموهوبين من خلال منح دراسية لهم , وصدرت منها اعتمادات اضافية من وزارة العلوم والتكنولوجيا بتأسيس قاعدة من العلماء والباحثين لمواكبة دول مثل الصين وكوريا الجنوبية في مجال الابحاث الحديثة والتطور التكنولوجي . بينما لا نملك نحن الدول العربية (بالرغم من ثرواتنا المادية والبشرية الكبيرة ) لا نملك وزارة عربية واحدة تعمل لهذه الغاية ولتحقيق هذا الهدف او على الاقل مؤسسة ناشطة مثل الجامعة العربية لمتابعة شؤون العلماء العرب ومساندتهم لمقاومة اغراءات الهجرة وحمايتهم كما حصل ويحصل في العراق الجريح مع صناع الخراب الجديد حيث قررت واشنطن صرف ميزانية مبدأية 160 مليون دولار لتشغيل علماء برامج التسلح العراقيين السابقين خوفا من هجرتهم للعمل في دول أخرى وكدفعة اولى غادر اكثر من الف خبير واستاذ نحو اوربا وكندا وأمريكا ، وقد استهدف الموساد و وكالة المخابرات المركزية الأمريكية كثيرا من العلماء العراقيين والعرب خاصة من العاملين في المجال النووي والهندسة  والانتاج الحربي كما جاء في تقرير نشرته مجلة (بروسبكت) الامريكية  لإستهداف علماء العراق حيث بلغ عدد الذين تم تصفيتهم وفق هذه الخطة أكثر من 250 عالما أما مجلة (نيوزويك) فقد اشارت الى استهداف الاطباء والاغتيالات والترويع لهم فقد قتل في عام 2005 أكثر من 70 طبيبا . وقد جاء في التقارير المنشورة أن قوات كوماندوز إسرائيلية تضم أكثر من 150 عنصرا دخلت العراق بعد الاحتلال بهدف تصفية واغتيال  الكفاءات المتميزة هناك حيث تعتبر هذه الدوائر الاستعمارية أن هذه التصفيات هي الصفحة التالية من احتلال العراق للقضاء على الكفاءات العلمية فيه ، حتى لا يعود هذا البلد الى سابق عهده ويستعيد دوره الحضاري .

فالمطلوب من الجميع وعلى كافة المستويات الرسمية والشعبية العمل على الاخذ بناصية العلم والمعرفة في كافة مجالاته لان العلم هو أحد أسباب القوة التي أمرنا الله سبحانه وتعالى بالاخذ بها (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ ) لاعمار الكون و سعادة البشرية وحماية بلادنا والدفاع عنها والله يقول الحق ويهدي السبيل  .

 

دكتور محمد جميل الحبال

·         19 رمضان المبارك 1431